مستنقع الحرب الأهلية: تركيا عليها أن تتريث قبل قبول هدية الكريسماس!

تدخل الحرب الأهلية في سوريا عامها الثامن دون وجود حلول حقيقية ومستدامة للقضايا العالقة وكل الحلول التي تم التوصل إليها سواء على منصات جنيف أو الآستانة أو سوتشي كلها هشة وقابلة للانهيار عاجلاً أم أجلاَ.

وفي وسط هذا الوضع المعقد والترقب من جميع الفاعلين، أعلن الرئيس الأمريكي عن عزمه سحب القوات الأمريكية -والتي يبلغ عددها نحو 2000 جندي- من مناطق تمركزها في سوريا -خاصة شرق نهر الفرات - في فترة تمتد من ستين إلى مائة يوم على الأكثر. مَثّل هذا الإعلان مفاجئة ليس فقط لحلفاء الولايات المتحدة لكن أيضاً للفاعلين المناوئين والمنافسين للولايات المتحدة الأمريكية. وأصبحت اتجاهات النقاش حول أسباب اتخاذ هذا القرار سواء كانت الأسباب داخلية أم خارجية وتداعيات هذا القرار في الداخل والخارج ومدي استفادة روسيا وإيران من هكذا قرار واعتبار القرار بمثابة هدية الكريسماس لمحور سوتشي بما فيهم تركيا- حليف الولايات المتحدة الامريكية في حلف الناتو-، حيث تظهر القراءة الأولية للقرار تخل الولايات المتحدة الأمريكية عن مليشيات الحماية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية والذي يعني -نظرياً- تلاشي حلم إقامة كيان كردي مستقل يهدد الأمن القومي التركي، بيد قد يكون من الأفضل لتركيا التريث قبل قبول – ما تبدو- هدية والانغماس في مستنقع شرق الفرات: فدراسات السلام والصراع تخبرنا بأن الولوج في الحروب الأهلية يبدوا مغرياً لكن الخروج لن يكون بدون خسائر قد تفوق أحياناً ما تصور أنه مكاسب خاصةً وأن أرضية المستنقع متحركة ومليئة بالوحل!

في الواقع مثل هيمنة رجال منظمة ال PKK – المصنف كمنظمة إرهابية - على مفاصل اتخاذ القرار في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على طول الحدود التركية السورية صداع في رأس تركيا وتمثل تحالف القوات الأمريكية معها واسنادها مهمة القضاء على تنظيم داعش – مستبعدة فصائل الجيش الحر- تحدياً كبيراً لتركيا التي لا تريد أن تخسر حليف الناتو القوي وفي نفس الوقت لا يمكنها ترك المليشيات -المصنفة كتنظيمات إرهابية- تقوم بإنشاء كيان مستقل ومستقر في مناطق التماس مع سوريا.

 لذا كان اعلان الرئيس اردوغان ببداية عمليات شرق الفرات بالاعتماد على فصائل الجيش الوطني السورية بمثابة رسالة للولايات المتحدة الأمريكية لكي تقوم بالاختيار بين حليف الناتو ومليشيات PYD وPKK. في الوقت الذي كان العرض الأمريكي مستفزاً وغير منطقي – بتشكيل نقاط مراقبة في بعض المناطق على الحدود السورية التركية مع بقاء المليشيات في مواقعها، كان الموقف الروسي داعماً لمنع تعاظم نفوذ مليشيات PYD وPKK وهيمنتها على المناطق شرق الفرات. بالطبع الموقف الروسي من هذه المليشيات تغير كثيراً -عما كان عليه منذ سنتين- وهذا يرجع إلى فشل روسيا في اقناع الدول الأوروبية بتمويل إعادة الاعمار في المناطق التي سيطرت عليها لصالح قوات الأسد وبالتالي تصبح مناطق شرق الفرات- الغنية بحقول الطاقة والموارد الزراعية هي الحل -سهل المنال والأفضل- لتمويل إعادة الإعمار.

الانسحاب الأمريكي – كلياً أم جزئياً- يعني خلق فراغ لابد من ملئه، والمرشح لملئ الفراغ حالياً هو تركيا ومن معها من الفصائل السورية للقيام أولاً بالقضاء – أو عل الأقل- الإضعاف- لهذه المليشيات وثانياً القضاء على ما تبقى من تنظيم داعش.

لكن القيام بهاتين المهمتين لن يكون سهل المنال في المدى القريب أو المتوسط. فمليشيات PYD/PKK تمتلك المعدات الأمريكية والتمويل -السخي- من الأنظمة السعودية والاماراتية -التي ستجد في ذلك فرصة لإنهاك تركيا اقتصادياً وعسكرياً، الأمر الذي سيؤثر على الدعم الجماهيري للحكومة التركية الحالية.

المعدات والتمويل سيسمح لهذه المليشيات بالدخول في حرب طويلة المدى وإنهاك القوات المنظمة. أيضاَ تهديد المليشيات بإطلاق سراح -حوالي- ثلاث الآلاف من مقاتلي داعش سيجعل الفصائل السورية المدعومة من تركيا في موقف صعب، خاصة وأن أولويات داعش – وفقاً لأيديولوجيتهم السياسية- لن تكون أبداً الثأر من العدو البعيد- مليشيات PYD وPKK أو حتى النظام- بل القضاء على العدو القريب – الفصائل السورية- علينا ألا ننسى أن هذا بالضبط ما حدث منذ نشأة التنظيم حيث كان تمدده في المناطق التي سيطرت عليها الفصائل السورية وليست تلك التي تحت سيطرة الأسد!

إن الترحيب الروسي – والإيراني أيضاً- للانسحاب الأمريكي -العاجل- الكلي أو الجزئي- والدعم السياسي لتركيا – والفصائل السورية – لملئ الفراغ وتنظيف شرق الفرات -من القوات المناوئة - ليس لإرضاء تركيا وحماية أمنها القومي وإنما لتخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهلهما تمهيداً لإعادة سيطرة الأسد -الشكلية- على مناطق شرق الفرات – ومن بعدها إدلب وباقي المناطق.

إذن قد يكون من الأفضل ل تركيا التريث قبل قبول ملئ الفراغ والزج بفصائل الجيش الوطني السورية في معارك شرق الفرات وخاصة وأن المعادلة مليئة بالأطراف التي من مصلحتها إنهاك تركيا -التي لم تتعافي بعد من الأزمة الاقتصادية. فالواقع إن المقاربة العسكرية فقط لا يمكن أن تكون الأفضل في مثل هكذا موقف- لكن -بدافع الوقت-يستثنى من ذلك تأمين منبج -العاجل-حيث تحشد القوات الداعمة للأسد حولها.

 إن المقاربة ذات الأوجه المتعددة بترتيبات متعددة تمهد الأرضية العسكرية وتخلق أجواء -سياسية ومجتمعية- ليست بالكامل معادية قد تكون الخيار الأمثل. تذكرنا دراسات السلام أن أسلم الطرق للولوج في الحروب الأهلية هي التي تكون ضمن أطر أممية أو تحالفية، لقد تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية (وبعض دول أوروبا) في ليبيا وفي سوريا إما ضمن أطر تحالف الناتو، مجلس الأمن، أو التحالف الدولي، إن مثل هكذا ترتيبات وأطر من شأنها أن تقلل من المخاطر وتحقق الغرض دون التلطخ الكامل بالوحل!   

لقد تم نشر أجزاء من هذه المقالة على موقع وكالة الأناضول.