انتخابات السلطات المحلية في إسرائيل

في هذه الورقة أعرض بعض المعطيات عن انتخابات السلطات المحلية في "إسرائيل" ودورتها الأخيرة، وأسلط الضوء على وضع العرب فيها، سواء من يحملون الجنسية الإسرائيلية أو من يحملون الهوية بدون الجنسية، كأهالي القدس المحتلة وسكّان الجولان السوري المحتل، وأخيرا مواقفهم منها.

تعتبر انتخابات السلطات المحلية في إسرائيل جزءًا من الحكم المركزي، وهي انتخابات تجري كل خمس سنوات. وقد جرت أوّل انتخابات محلية انتخب فيها الجمهور رؤساء المجالس المحلية بشكل مباشر في العام 1978، وكانت حتى ذلك الوقت تجري بصورة غير مباشرة، أي يتم اختيار رئيس المجلس أو السلطة المحلية من خلال التصويت بين أعضاء المجلس المنتخبين.
 

أرقام
 اختتمت يوم الثلاثاء الماضي 30-10-2018 انتخابات السلطات المحلية في إسرائيل، والتي قُسِّمت على ستة مناطق رئيسية: الجنوب (النقب وإيلات)، حيفا، يهودا والسامرة (مستوطنات الضفة الغربية)، القدس، المركز، الشمال وتل أبيب. جرى في هذه الانتخابات التصويت لاختيار رؤساء للبلديات (المدن)، المجالس المحلية (تجمعات أصغر من المدن، وهي القرى) والمجالس الإقليمية (وهي التي تدير عددًا من التجمعات السكنية الصغيرة سويًّا).[1] يبلغ عددها 251 سلطة (منها 80 مدينة وتجمع عربي سكني) ، تنقسم الى 197 بلدية وسلطة محلية و54 مجلسا إقليميًّا، توزّع بها 10674 صندوقًا للاقتراع.[2] فيها يحق لكل مَن هو فوق عمر الثامنة عشرة، ويبلغ عددهم 6650354 ناخبًا، المشاركةَ في الانتخابات. ويعتبر يوم انتخابات السلطات المحلية يومَ عطلة رسمية في البلاد، مثلها مثل انتخابات الكنيست.

يجري تصويت الناخبين في هذه الانتخابات على قسمين: مرشح الرئاسة وقائمة العضوية، ومن يفوز في الانتخابات عليه أن يحصد 40٪ من الأصوات وإلا فسيكون هناك جولة ثانية -بعد أسبوعين من الجولة الأولى- بها يتنافس أعلى مرشحين لحصد النسبة المذكورة وبالتالي الفوز برئاسة البلدية أو المجلس المحلي. وما يزال ٥٤ تجمع في البلاد ينتظر الجولة الثانية لحسم الأمور.

 سُجّلت في هذه الانتخابات نسبة تصويت بلغت 58٪ والتي تعتبر مرتفعة عن سابقتها في العام 2013  -كانت 51.1٪- [3]، ما يعني أن نحو  3836840 مواطن من أصل 6650354 قاموا بالتصويت في هذه الانتخابات. وسجلت ايضا نسبة تصويت مرتفعة في التجمعات العربية 84٪ مقارنة باليهودية التي بلغت 55٪  [4], مع ملاحظة ضعف حضور العوامل العائلية والحزبية في بعض التجمعات العربية مقارنة بسنوات سابقة.

تميّزت هذه الانتخابات بترشّح 68 سيدة لرئاسة هذه السلطات، في مقابل 42 سيدة كانت ترشحت في الانتخابات السابقة. وقد فازت لأول مرة سيدة برئاسة مدينة حيفا وهي "عينات كليش"، وأخرى في مدينة "بيت شيمش" ذات الطابع الحريديّ (أي اليهودي الأصولي) وهي "عليزا بلوخ". وفي الوسط العربي أيضا تسجل فوز 18 امرأة في قوائم العضوية وليس الرئاسة، ما يعتبر فوزًا للتمثيل النسائي وحضورا لافتا مقارنة بسنوات ماضية.

الناخبين العرب بدون الجنسية الإسرائيلية
 بالنسبة لدروز هضبة الجولان السوري المحتل، فلأول مرة منذ احتلاله في العام 1967 جرت الانتخابات في التجمعات الدرزية الأربعة هناك: بقعاثا، مجدل شمس، مسعدة، وعين قينيا؛ إلا أنّ الأهالي تظاهروا ضد المشاركة في هذه الانتخابات، وأصدر المجلس الديني الأعلى فيها قرارًا بالمقاطعة لكل مَن يشارك بها، لأنها تعتبر اعترافًا بالسيادة الإسرائيلية. وكان أهالي الجولان قد تعرضوا بعد احتلالهم  لسلسلة من السياسات ومحاولات دمجمهم في المجتمع الإسرائيلي، من خلال فرض مجالس محلية يرأسها أشخاص يتبعون للدولة، واستبدال المناهج التعليمية السورية بأخرى اسرائيلية، وتنظيم السكان في المؤسسات الإسرائيلية المختلفة. وقد كان سكان الجولان السوري يرفضون حمل الهويات الإسرائيلية، حيث يعتبرون أنهم ما يزالون جزءًا من سوريا، حتى فرضتها عليهم إسرائيل في العام 1981 فيما يعرف بقرار "ضم الجولان"  والذي لم يعترف به المجتمع الدولي.[5] ويحمل اليوم 12٪ فقط من أهالي الجولان الجنسية الإسرائيلية، وأصحاب هذه النسبة هم القادرون فقط على الترشح لمناصب رئاسة المجالس المحلية التي تدير شؤون أهالي الجولان، بينما من لم يحملها يستطيع فقط الانتخاب، وهذا يعني وجود تفاوت في الحقوق بين من يحمل الجنسية ومن لا يحملها الأمر الذي يناقض مبادئ الديمقراطية بشكل عام. وفي جميع الأحوال فإنّ الأهالي استجابوا لحملات المقاطعة بالفعل حيث ألغيت الانتخابات في كل من مسعدة وبقعاثا نظرًا لانسحاب المرشحين، بينما تمت بنسب تصويت منخفضة جدا -لم تتجاوز 2٪- في كل من مجدل شمس وعين قينيا.

وذات الحال بالنسبة لأهالي القدس، والذين يحملون الهويات الإسرائيلية الزرقاء إلّا أنهم بدون جنسية، وذلك يعني أنّ بإمكانهم التصويت في انتخابات البلديات والسلطات المحلية، ولكن لا يحقّ لهم التصويت في انتخابات الكنيست. وقد ترشّح في الانتخابات الأخيرة ولأول مرة مقدسيّان اثنان لرئاسة بلدية القدس -رغم التاريخ الاحتلالي القديم للبلدية- من مُنطلَقين اثنين: أوّلًا مواصلة النضال وإغضاب الإسرائيليين، والثاني للحصول على حقوق المقدسيين وتحسين الخدمات المعيشية اليومية. إلا أنّ كِلَي المرشحين قوبِلا بالرفض والاستهجان وتم تحريم المشاركة فيها دينيًّا. والذي اختلف في هذه الانتخابات بالنسبة لمشاركة العرب، أنه وللمرة الأولى يتنافس مرشح يتبع لقائمة عربية بأكملها، وقد كان وجود مرشحين عرب من قبل ييقتصر فقط على كونهم أعضاء في قوائم يهودية أو يتم بث الحملات الانتخابية -وان بعدم وجود عرب- باللغة العربية.

الناخبين العرب أصحاب الجنسية الإسرائيلية
أما بالنسبة للعرب الفلسطينين "مواطني" دولة إسرائيل -أي مَن تجنّسوا فيها في العام 1948-أنّ انتخابات السلطات المحلية تختلف عن انتخابات الكنيست،[6] ويرجع هذا الاختلاف إلى اعتبار البعض أنّ المشاركة في انتخابات الكنيست تعتبر اعترافًا بشرعيّة دولة إسرائيل،[7] أمّا انتخابات السلطات المحلية، وإن كانت لا تخلوا من الأبعاد السياسية، إلا أنها في النهاية تخدم المصالح اليومية للمواطن وتعينه على قضاء حاجاته المعيشية مثل الضرائب وخدمات الماء والكهرباء والمسكن والتعليم وغيرها. وحتى هذه الأخيرة، يرى الكثيرون أنّ هناك تفاوتًا في الميزانيات التي تقدَّم للسلطات اليهودية والعربية، سواء في مجال التعليم أو الرفاه الاجتماعي، وبالرغم من ذلك فإنّ المواطنين يشاركون فيها كونها الواجهة الأخيرة للدفاع على أراضيهم وحقوقهم.

يعيش بعض الفلسطينيون داخل تجمعات ومدن مختلطة (عرب ويهود)، وهناك بعض القوائم اليهودية التي شارك بها أعضاء عرب مثل حيفا ويافا و"الناصرة العيا" (نتيسرت عيليت)، ويرى السيد رائد غطاس، عضو القائمة المشتركة للتعايش في "نتسيرت عيليت" أنّ مشاركته كعضو في قائمة عربية داخل مدينة مختلطة يشكل ضرورة من أجل تثبيت الوجود العربي و تحصيل حقوقه في مختلف القضايا الخدماتية. ويضيف السيد غطاس "انّ إدارة الشؤون المحلية والمشاركة في الانتخابات هي جزء من القضية الأساس، وهي المواطنة والحقوق المشتقة لأصحاب الأرض الأصليين"، ويوافقه الرأي السيد سعيد الخرومي، عضو الكنيست عن القائمة المشتركة، حيث يقول "إنّ المشاركة في الانتخابات هي نوع من التعبير عن الاستقلال الذاتي والطموحات الجماعية كأقلية عربية تم تحجيمها على مستوى الدولة، حتى وإن جرى تمثيلنا في الكنيست". [8] أما عن حالة مدينة يافا\ تل أبيب -وهي مدينة مختلطة- فقد شهدت في الآونة الأخيرة تصاعدا لموجة العنصرية فيها ضد العرب وبالأخص من قبل حزب الليكود، حيث ترشحت "قائمة يافا" لخوض الانتخابات وهي قائمة عربية، وبالمقابل فقد خاض بعد الاعضاء العرب الانتخابات  فيها مع قوائم يهودية مثل قائمة "نحن البلد" وهو ما رآه البعض تفتيتا للصوت العربي في المدينة وإضاعة للوحدة التي تمكّنهم لو كانوا مجتمعين من مواجهة موجات العنصرية التي يتعرضون لها والدفاع عن حقوقهم كأقلية في المدينة. والأمر ذاته مع قوائم حزبيّ التجمع والجبهة في حيفا التي خاضت الانتخابات منفردة وحصلت على مقعدين فقط،  فيما لو اجتمع كلا الحزبين بقائمة واحدة لحصدا المزيد من المقاعد كما في حالة مدينة اللد التي حصدت فيها القائمة العربية "قائمة النداء العربي" على ست مقاعد بفضل توحّد جميع الأطياف تحت  راية قائمة واحدة.

لقد شهدت انتخابات السلطات المحلية في السنين الأخيرة تراجعًا في حضور الأحزاب السياسية التي تنشط في انتخابات الكنيست، الأمر الذي يؤكد على وجود اختلاف بين السلطات المحلية والكنيست؛ حيث يعتبر الكثيرون أنّ السلطات المحلية تمثلهم في النهاية وتمثل أهدافهم وتسعى للحصول على حقوقهم قدر المستطاع، بينما انتخابات الكنيست بالنسبة للعرب أصبحت شكليةً وغيرَ ذات جدوى، وبالتالي فإنّ المرشحين لرئاسة السلطات المحلية لا تربطهم في الغالب أيُّ صلة بتلك الأحزاب، وإنما يعتمدون في تمثيلهم على خلفياتهم العائلية بالدرجة الأولى. والخلفية العائلة للمرشحين يعتبرها كثيرون سببًا في قلة كفاءة هذه المجالس وعدم ارتقاءها لمستوى الحدث، إذ يكون المرشحون في الغالب غيرَ حاملين للشهادات التي تؤهلهم للقيام بالأعباء الوظيفية كما ينبغي، وإنما هم وجهاء للعائلات وممثلين عنها، وهو ما يعني لاحقًا وجودَ محسوبيات وفساد في الإدارة، بالإضافة لانعدام التخطيط المستقبلي ووضع الخطط الاستراتيجية بعيدة المدى للنهوض بالبلاد.

والسبب الثاني لعدم نجاعة وتخلف بعض المجالس هو السياسة الي تنتهجها الدولة تجاه السلطات المجالس العربية، والتي تتمثل كما ذكرنا بالتمييز بين المجالس العربية وتلك اليهودية؛ حيث تستثمر داخل التجمعات السكنية اليهودية فيما تترك التجمعاتِ العربية معتمدةً في مصادر دخلها وتمويلها على الخارج، أي بدون مناطق صناعية واقتصاد محلي مستقل يؤمِّن فرصَ عملٍ ومصادرَ دخلٍ للمواطنين في البيئة القريبة منهم. وهناك تمييز آخر يتجلّى في الميزانيات التي تقدَّم للمجالس اليهودية ونظيرتها العربية، وهو ما يؤثّر على جوانب عديدة، ومنها جهاز التعليم الذي هو جزء من المنظومة التي يديرها المجلس، وتظهر أعراض التفريق والتمييز في نتائج الامتحانات النهائية ومستوى الطلاب التعليمي ونسبة دخولهم إلى الجامعات، حيث لم تَرتقِ نسبة تمثيل الطالب العربي في الجامعات إلى نسبت وجوده في الدولة. مشكلة أخرى تواجهها السلطات المحلية هي الكثافة السكانية العالية في التجمّعات السكنية العربية، بالإضافة لصعوبة -وأحيانا استحالة-إيجاد مساكن للأزواج الشابة، وهذه المشاكل جميعًا مَردُّها إلى تضييقٍ متعمَّد في توسيع دوائر الأراضي المُعدَّة للبناء في هذه التجمعات، فما تزال الكثير من حصص الأراضي في البلاد العربية أراضٍ خضراء [9] يُمنع البناء فيها حسب القانون.

وعليه، فإنّ المواطن العربي الفلسطيني داخل إسرائيل يقف عند كل انتخابات محلية جديدة أمام واقعٍ لا تبدو عليه بوادر التغيير، حيث يعاني الفلسطيني في المدن المختلطة من فرقة في الأهداف والقوائم التي ما تزال الأحزاب السياسة عاملا أساسًا في تفرقها، ومن جانب آخر تعاني السلطات المحلية العربية في التجمعات الغير مختلطة من مشاكل داخلية متمثلة في قلة كفاءة المرشحين لإدارة مناصب المجالس، والولاءات العائلية التي تغض الطرف عن الكفاءات الموجودة، وأخرى خارجية متمثلة في السياسة التي تنتهجها الدولة، حيث تمارس التضييق في الميزانيات الممنوحة للمجالس العربية في مقابل الإغداق على المجالس اليهودية والاستثمار فيها.

 

من منطلق هذا الواقع، ينبغي على دولة إسرائيل :
الالتزام بمبادئ وروح الديمقراطية والنزاهة وأن تسعى بحق إلى المساواة بين مواطنيها العرب واليهود

المساواة في توزيع من الميزانيات الممنوحة للبلديات من أجل تحسين وتطوير خدمات المعيشة والتعليم

المساواة في الاستثمار في كلا التجمعات العربية واليهودية من أجل خلق فرص عمل جديدة وتوفير مصادر دخل مستقلة بهذه التجمعات

توسيع دوائر الأراضي في البلدات العربية من اجل توفير مساكن للأزواج الشابة


بالإضافة لذلك ينبغي على مرشحي وناخبي المجالس والسلطات العرب :

التوحد في قوائم عربية شاملة في المدن المختلطة لنيل مقاعد أكبر داخل البلديات

السعي نحو اختيار مرشح ذوي كفاءات بناء على خلفيته التعليمية وليس العائلية

الإيمان بضرورة وأهمية صوت الفرد في الانتخابات وقدرته على التغيير

وأخيرًا، تعاون جميع الأطراف سويا وبناء الثقة المتبادلة بين الدولة وبين المرشحين والمواطنين من أجل مستقبل أفضل

 


https://goo.gl/n5bdgA [1] أنواع السلطات المحلية في إسرائيل  

[2] وزارة الداخلية الإسرائيلية   http://www.moin.gov.il/NationalSupervision/Pages/data.aspx#openClose2  

https://www.idi.org.il/parliaments/2926/6403 المركز الإسرائيلي للديمقراطية  [3]   

https://www.10.tv/news/175397 القناة العاشرة العبرية [4]

[5] صحيفة ”هآرتس“ العبرية، عدد 31-10-2018

[6] تشير البيانات إلى أن متوسط نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية في البلدات العربية هي 85٪، بينما وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة للكنيست إلى 60٪ تقريبًا.

[7] الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح مثال على ذلك، وقد قاطعت انتخابات الكنيست منذ نشأتها. https://archive.islamonline.net/?p=215

https://goo.gl/zD9P8e  أبرز رهانات انتخابات المجالس لفلسطينيي 48  [8]

[9]  الأراضي الخضراء: زيف ادعاءات الاحتلال  https://goo.gl/dZpBUq