الموقف الفلسطيني من منتدى غاز شرق المتوسط

تناقلت وسائل الاعلام بيانا لوزارة البترول المصرية بعنوان " تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط ". تم فيه الاعلان عن تشكيل تجمع يتكون من دول شرق البحر المتوسط ، المنتجة و المستهلكة للغاز، او دول العبور.  ممن يتفقون مع المنتدي في المصالح و الاهداف. وقد تكونت النواة الاولي للمنتدى من وزراء الطاقة لسبع دول من بينهم ايطاليا وقبرص و الاردن و اسرائيل و فلسطين و مصر. وقد اشتمل البيان على اهداف المنتدى العامة و التى تمثلت في : العمل على إنشاء سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء، من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية، مع ضمان تأمين العرض والطلب للدول الأعضاء. على ان تتم  مساعدة الدول المستهلكة في تأمين احتياجاتها وإتاحة مشاركتهم مع دول العبور في وضع سياسات الغاز في المنطقة، مما يتيح إقامة شراكة مستدامة بين الأطراف الفاعلة في كافة مراحل صناعة الغاز.

جاء الاعلان عن تاسيس هذا المنتدى بعد ان كشفت تقارير اسرائيلية ودولية عن مشروع مد خط غاز يربط بين مصر و اسرائيل، بهدف تصدير الغاز الاسرائيلي لمصر. وذلك إما من خلال اصلاح انبوب الغاز القديم الذي يمر في اراضي سيناء ( التى ينشط فيها تنظيم داعش الارهابي) ، أو من خلال مد انبوب داخل البحر المتوسط مرورا امام سواحل قطاع غزة ( الخاضع لسيطرة حركة حماس). على ان يصل الغاز الاسرائيلي لمصر مع بدايات شهر ابريل 2019م، لتقوم بعد ذلك مصر بتوزيعه الى المملكة الاردنية ومن ثم اوروبا في المستقبل القريب.

فلسطين و المنتدى:
هناك انقسامات كبيرة في النظام السياسي الفلسطيني في معظم القضايا المختلفة وتحديدا في ادوات التعامل مع تلك القضايا. فحركة فتح والتى تقود السلطة الفلسطينية ترى بان الطرق السلمية و نهج المفاوضات و المشاركات الخارجية هي الطريقة المثلى الضامنة لحقوق الشعب الفلسطيني. بينما ترى حركة حماس والجهاد الاسلامي ان المقاومة والحاق اضرار باسرائيل هي الطريقة الافضل للتعامل مع الاحتلال الاسرائيلي. فعلى الرغم ان كليهما ( حماس و فتح) متفقتان بان اسرائيل تسرق حقل غاز غزة البحري (Gaza Marine) منذ العام 2000م، والتى تقدر كمية الغاز المكتشف فيه 28 مليار متر مكعب. وهو حقل يقع في المياة الاقليمية الفلسطينية. الا انهما مختلفان في طرق ادارة هذ الملف. فالسلطة الوطنية الفلسطينية، و التى تعتبر نفسها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. ترى انه يجب عليها ان تشارك في كافة الفعاليات التى لها علاقة بملف الغاز من اجل تثبيت حق مستقبلي للشعب الفلسطيني. خصوصا في ملف ذو بعد استراتيجي كملف الغاز. كما تسعى السلطة الفلسطينية ان تبقى حاضرة في القضايا الاقليمية و قريبة من الحاضنة العربية خصوصا مصر و الاردن. خاصة وانها تخشى من التهميش في ظل الرغبة الامريكية في تصفية القضية الفلسطينية عبر ما تسمي (صفقة القرن). وربما هذه النقاط تستطيع ان تفسر لنا اسباب مشاركة السلطة الفلسطينية في منتدى شرق المتوسط.

أما موقف قوى المقاومة الفلسطينية المتمثلة بشكل رئيسي ( حركة حماس و الجهاد الاسلامي ) ، واللتان تمثلان القوى الحاكمة الفعلية في قطاع غزة . واللتان لم تشاركان في منتدى شرق المتوسط . لانهما ببساطة لم توجه لهما الدعوة . كما انهما ربما يفكران ان مد خط انبوب غاز رابط بين مصر و اسرائيل تمثل لهم فرصة كبيرة من اجل ابتزاز البلدين. من خلال استهدافه عسكريا في حال استمر الحصار المفروض على قطاع غزة؛ او حدوث اي مواجهة عسكرية مستقبلية بين قوى المقاومة الفلسطينية و اسرائيل.

وعلى الرغم من انه لا توجد معلومات دقيقة حول قدرات حماس البحرية، بما في ذلك عدد الغواصين وقوات الكوموندوز والقوارب السريعة وغيرها من الأمور. الا ان بعض التقارير الإعلامية للجيش الإسرائيلي اشارت إلى أن إمكانيات حماس البحرية قد زادت بشكل ملفت. فعلى سبيل المثال، أعلن الجيش الصهيوني في 10 يونيو 2018م، أنه استهدف مجموعة من الغواصات التي تقودها حماس والتي تنوي الحركة استخدامها في عملياتها البحرية، كما أفادت صحيفة يديعوت أحرنوت في 14 يونيو 2018، أن الوحدة «شييطت 13» والفرقة رقم 916 المسؤولتان عن حماية الحدود البحرية قامتا بأكثر من 30 هجوماً على وحدات حماس البحرية، وأفادت الصحيفة العبرية بأن سلاح الجو الإسرائيلي قام بتدمير نفق بحري لحركة حماس شمال قطاع غزة. معد للعمل العسكري الهجومي الى جانب نقل عتاد ومؤن عسكرية عبر البحر. إضافة إلى أن حماس تقوم بتدريبات للمئات من الغواصين على استهداف "إسرائيل".كما هناك تخوفات اسرائيلية من وصول الزوارق الإيرانية السريعة إلى المقاومة، حيث نقلت صحيفة جيروزاليم بوست الصهيونية في تقرير لها عام 2016 نقلاً عن مسؤولين بالبحرية: "ان حماس حصلت على تكنولوجيا تطوير الزوارق البحرية السريعة من إيران وهي ستستخدمها ضد سفن الإسرائيلية في أي حرب قادمة". وفي هذا السياق صرحت قيادات عسكرية اسرائيلية اكثر من مرة. ان حركة حماس تحاول امتلاك قدرات عسكرية بهدف ضرب منصاب الغاز الاسرائيلية المتواجدة في البحر المتوسط. وان المسافة بين قطاع غزة و منصات الغاز 40 كليو متراً وهي مسافة من الممكن تجازوها. وعليه فقد حاكى سلاح البحرية الاسرائيلية ولمده اسبوع هجوما ضد منصات الغاز الطبيعي في البحر ،شمل اختبار اطلاق صورايخ بحر – بحر لتدمير سفن هجومية .  وذلك من خلال مشاركة سفن حربية اسرائيلية من طراز ( ساعر 4) . كما اجرت كل من الولايات المتحدة الامريكية و اسرائيل تدريبات بحرية عسكرية مشتركة تحاكي احتلال سواحل بحر قطاع غزة.

ختاما نقول، ان كلا من اسرائيل ومصر تعتبران مشروع خط الغاز بمثابة  خطوة استراتيجية لهما. وحريصتان بشكل كبير على انجاح هذا المشروع بشتى السبل . وان نجاح هذا المشروع بحاجة لتفهم و  قبول فلسطيني . وهذا ما يفسر دعوة مصر للسلطة الفلسطينية للمشاركة في المنتدى. وهو ايضا ما يفسر لنا ايضا محاولة مصر لاحتواء حركة حماس ، من خلال تكثيف الاتصالات معها . متزامنا مع سعى مصر لتخفيف الحصار المفروض على غزة . من خلال فتح مستمر لمعبر رفح البري الواصل بين غزة و مصر.

علما بأن مصر لا تزال تخشى من فشل اهداف هذا المنتدى و المشروع . خاصة وان لمصر جهود سابقة فاشلة من اجل هذه الفكرة. فقد كانت مصر اول من دعت الى انشاء آليه للدول المنتجة والمصدره للغاز الطبيعي منذ العام 2000م.  وقد جددت الدعوة مرة اخري في ديسمبر 2008م، بعد ان شكلت منتدي لدول الغاز الطبيعي شمل 18 دولة شمل ( الجزائر – بوليفيا – مصر – غينيا الاستوائية – ايران – ليبيا – نيجيريا – قطر – روسيا – ترينداد اوتابوجاو –الامارات – فنزويلا ) على ان تحضر كل من كازاخستان و العراق و هولندا و النرويج و عمان و البيرو بصفة أعضاء مراقبة في المنتدى. وقد فشلت كافة الجهود السابقة نتيجة لتغيرات اقليمية . وعليه فان التخوف المصري والاسرائيلي من فشل هذا المنتدى لا يزال حاضرا خاصة ان كلاهما يعلمان ان حركة حماس و له علاقات قوية مع كل من تركيا و ايران على الترتيب. وهي قوى اقليمية ترفض فكرة المنتدى. فهل تنجح مصر في احتواء الموقف الفلسطيني، أم تنجح المقاومة الفلسطينية في افشال اهداف المنتدى؟

وعليه نقول ان غالبية المؤشرات في داخل الفلسطيني و المتغيرات الاقليمية تشير الى ان مشروع الغاز الاسرائيلي المصري لم ينضج بعد. وان المشروع  ربما لن يعمل خلال  العام 2019م على اقل تقدير. فالازمات التى تعيشها الساحة الفلسطينية  تشير الى ان العامين المقبلين في غاية التعقيد مما ينذر بانفجار الوضع شعبيا و عسكريا؛ وبالتالي غياب الاستقرار. وهو عامل في غاية الاهمية من اجل نجاح مشروع خط الغاز المصري الاسرائيلي.