القبيلة وضبط إيقاع الأزمة الليبية

لعل من الحقائق التاريخية الثابتة والتي لا تقبل شك أو مراء أن القبيلة تمثل النسيج الاجتماعي في ليبيا. وهذا واضح وجلي في التركيبة الديموغرافية الليبية التي تتكون من قبائل متعددة و متنوعة، وهذه القبائل تمثل اللحمة الرئيسية للنسيج السكاني في ليبيا. فالقبائل تنتشر على طوال البلاد من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. ولا نجانب الصواب إذا قلنا أن الانتماء للقبيلة هو العنصر الأساسي في البنية الاجتماعية و الثقافية و السياسية داخل المجتمع الليبي، وهذا الانتماء يسري سريان الدم في العروق. ورغم التطور السياسي الذي حدث في المجتمع الليبي منذ الاحتلال الايطالي، ووجود مؤسسات مجتمعية ومدنية في عهد القذافي حتى لو صورية، إل أن القبيلة ظلت هي الحصانة الاجتماعية لأفراد المجتمع الليبي، فالقبيلة بمثابة الأسرة أو العائلة الكبيرة التي تدبر شؤون أفرادها، فالتقاليد القبلية بمثابة الحل لجميع المشكلات الداخلية، فالأعراف القبلية تسري على الكبير قبل الصغير، ودائما ما تمثل القبيلة فرس الرهان في الحياة السياسية والاجتماعية داخل ليبيا. ولعل هذا يجعلنا نطرح سؤالًا ملحا يدور في الأذهانوهو هل مازال للقبيلة نفس الدور الذي لعبته في الماضي؟ بمعنى آخر هل يمكن للقبيلة أن تقوم بدور محوري في حل الأزمة الليبية المعاصرة والتي عجزت الحلول السياسية والدبلوماسية عن فك شفرتها؟ ولعله لا يخفى على كل ذي عقل أن هذه الأزمة الطاحنة أثرت تأثيرا كبيرا ليس فقط على استقرار ليبيا، بل على دول الجوار التي تمثل لهم ليبيا بعدا استراتيجيا مهما. ويجب أن نلفت الانتباه في هذا السياق أن هذه الأزمة بلغت ذروتها بعد مرحلة القذافي ، وسببت تناحر وانقسامات داخل البنية الاجتماعية الليبية، وأصبحت ليبيا بمثابة المسرح الذي تؤدي عليه جهات متعددة ومتنوعة أدوارا منها الشرعي والكثير غير شرعي، ناهيك أن الأراضي الليبية أصبحت مرتعا خصبا للجماعات الجهادية وخصوصا تنظيم داعش وغيرها. التي تعيث في الأرض فسادا، حيث تريق الدماء باسم الدين. وهذا الانقسام والتناحر في نسيج المجتمع الليبي شيء جديد على المجتمع الليبي، الذي ظل حتى في احلج الأزمات متماسكا ومترابطا ووحدة واحدة، لأن القبيلة هي التي تلعب هذا الدور المحوري في تماسك الأفراد والمجتمع. ويبرز دور القبيلة في حل الأزمة الليبية المعاصرة،من خلال إفساح المجال للقبيلة لكي تقوم بدورها المنوط بها، ويتمثل هذا الدور الحيوي في احتواء الأزمات، والقضاء على الصراعات، بين أفرادها. ولعلنا نشير هنا ما للقبيلة من تأثير حيوي داخل الجيش نفسه الذي يمثل منظومة الأمن والاستقرار

القبائل الليبية ودورها في الجيش
لقد قامت القبائل الليبية بدور مهم وحيوي في الجيش الليبي وفقا وتبعا لكبر وصغر القبيلة، فالقبائل الكبيرة يستحوذ أفرادها على نصيب كبير داخل الجيش والشرطة وكل ما يتعلق بدائرة الأمن. ومن هنا نلفت الانتباه إلى حقيقة تاريخية وهي أن قبيلة ورفله تمثل أكبر القبائل على الإطلاق من تعداد سكان ليبيا حيث يبلغ عدد أفرادها مليون نسمة موزعين في جميع أنحاء ليبيا، وإن كان جذور تمركز هذه القبيلة مدينة بني وليد. ولعلنا لا نبالغ في القول أن دور القبيلة في ليبيا ازداد و تعاظم في فترة حكم  القذافي، ولعل الشعار المشهور الذي كان يردده "و انتصرت الخيمة على القصر"، يمثل دلالة واضحة على الاعتزاز بالأصول البدوية و القبلية، و كيف انتصرت على الملكية في عهد الملك السنوسي. أيضا شعار يدل ما للقبيلة من تأثير داخل المجتمع الليبي. من هنا نرى أن الفرد الليبي في كل مراحل حياته يرتبط بالقبيلة، وهذا واضح في تركيبة المجتمع الليبي الذي يتكون من عرب وامازيغ وتبو وطوارق. ويبلغ عدد القبائل في ليبيا 140 قبيلة الفاعل تاريخيا منها 36قبيلة لعبت أدوارا محورية في تاريخ ليبيا. ويجب أن نلفت الأنظار إلى حقيقة مهمة و هي أنه رغم محاولة تهميش دور القبيلة في الحياة السياسية و الاجتماعية إلا أن هذه المحاولات فشلت فشلا ذريعا. ولعل منذ مرحلة  القذافي بدأت تعود للقبيلة أهميتها ودورها الفاعل.

القبيلة ودورها في حل الأزمة السياسة الراهنة
 يمكن للقبيلة أن تقوم بدورًا سياسيًا مهما و حيويا في حل الأزمة الليبية الراهنة وهذا يتم من خلال ترتيب البيت من الداخل أولا، بمعنى أن يتم عقد مصالحات أولا على مستوى القبائل، خصوصا أنه في مرحلة القذافي كان يلعب على وتر الانقسامات بين القبائل، يستميل البعض و يبعد البعض، وهذا أحدث العديد من المشاكل بين القبائل و لعل أوضح نموذج  والخلافات المستمرة بين قبيلتي بني وليد و مصراته  والعداء التاريخي بينهما والذي عمل القذافي علي استمراره ، و كذلك الخلافات بين قبائل القذاذفة و المقارحة و غيرها من الانقسامات. من هنا تأتي ضرورة تحقيقمصالحة وطنية بين القبائل الكبيرة على الأقل ويتصدر المشهد شيوخ القبائل الذين لهم تأثر كبير على الحياة الاجتماعية في ليبيا. ثم بعد ذلك تتم مصالحة شاملة في جميع البلاد، حيث يتم تغليب المصلحة العامة، ومصلحة الوطن. ثم يتم تشكيل مجلس وطني من القبائل و السياسيين أصحاب الخبرة السياسية في إدارة شؤون البلاد إلى أن يتم الاستقرار، وتنعم البلاد بالأمن و الأمان. ثم بعد ذلك يتم تأسيس دستور للبلاد يراعي فيه التركيبة الاجتماعية للشعب الليبي، دستور يقوم على حقوق المواطنة، ويشعر فيه المواطن الليبي بحقوقه التي افتقدها في العهد المنصرم. ومحاولة تأسيس منظمات المجتمع المدني، مؤسسات يكون لمواطن الليبي دورًا فاعلًا ينعم بالحرية والديمقراطية. وبعد تشكيل هذه المؤسسات الوطنية المدنية التي يغلب عليها تمثيل جميع فئات الشعب، ومشاركة حتى الأقليات والمحرومون من الحقوق. أي العدالة في كل شيء. محاولة إعادة توزيع الثروة على مبدأ العدالة.. وهذا من الأمور المهمة التي لو نجح القائمين على الشأن الليبي في تداركها سوف يعم الاستقرار والأمن في ليبيا. واعتقد أن الأمر صعب لتحقيق ذلك لكن ليس مستحيل. إذا تم تغليب المصلحة الوطنية ومصلحة المواطنين، هناك مشوار طويل يجب أن يسير فيه الشعب الليبي لتحقيق الآمن و الأمان، وإعادة بناء مؤسسات وطنية تخدم المواطن الليبي. وهذا وضع طبيعي بعد فترة حكم ديكتاتوري سيطر على كل مقاليد البلاد، واستولى على مقدرات هذا البلد الغني بثروته. التي إذا تم إعادة توزيعها بالعدل لأصبح الليبيين في وضع اقتصادي أفضل. بناء على ذلك يجب  أن يتضافر جميع الليبيين من أجل حل هذه الأزمة التي تهدد استقرار و أمن و  أمان الشعب الليبي.   وأن يعود لقبيلة دورها المحوري والحيوي الذي قامت به على مر العصور والأزمان