المغرب والسعودية بين متانة العلاقات والأزمات العابرة؟

تقديم:
عرفت العلاقات المغربية السعودية لفترة تاريخية طويلة العديد من الزيارات المتبادلة بين الطرفين، والدليل على ذلك انطلاق هذه العلاقات مباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال أي منذ سنة 1957 خصوصا وأن المغرب والسعودية يتشابهان من حيث أن كلا النظامين السياسيين للبلدين ملكيين، ليتم فيما بعد تمتين هذه العلاقات على جميع المستويات وانسجام مواقفهما حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

 تعامل البلدين مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد "ثورة الخميني"، حيث عمدت المملكة العربية السعودية إلى عدم الاصطدام والتعليق العلني على الأحداث الجارية في إيران، بينما قام المغرب بتعيين الدكتور عبد الهادي التازي سفيرا في طهران، خصوصا وأن هذه الأخيرة حاولت تصدير الثورة واستقبلت حركات التحرر المعارضة في الدول الأخرى، لتتأسس "الجبهة التحررية لشبه الجزيرة العربية"، مما دفع المملكة العربية السعودية إعلان دعمها للعراق في الحرب العراقية الإيرانية، بينما واجه المغرب إيران بعدما قامت هذه الأخيرة بفتح ممثلية لجبهة البوليساريو الانفصالية في طهران، ناهيك عن تعبير الملك الراحل الحسن الثاني عن استعداد المملكة المغربية لتنفيذ التزاماتها اتجاه العراق تحت غطاء معاهدة الدفاع المشترك العربية في حال عدم استجابة إيران للمطالب العربية واستمرارها في الحرب، كما أن البلدين أيضا أيدا جهود المصالحة في الصومال، وانسجام مواقفهما في الصراع العربي الإسرائيلي وحرب البوسنة والهرسك..[1]

إن العلاقات بين الدول تتماشى وفق مقولة مأثورة في حقل العلاقات الدولية حيث تؤكد على أنه :"ليست هناك صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ولكن هناك مصالح دائمة"، بمعنى أن مصالح الدول هي المعيار الأساس والمتحكّم في تحديد استمرار تطور العلاقات الثنائية للدول من عدمها.

وبذلك فالموضوع الذي بين أيدينا يطرح إشكالا مهما يتمحور حول التساؤل التالي:

ما هي الأسباب التي أدت إلى توتر العلاقات المغربية السعودية رغم العلاقات التاريخية للبلدين وانسجام مواقفهما حول العديد من القضايا؟ ثم ما هي الضوابط التي ينبغي احترامها حتى نضمن استمرار العلاقات بين البلدين وتمتينها على المدى المتوسط والبعيد؟  

أولا:التعاون  المغربي – السعودي
يعد المغرب بيئة ملائمة لتدفق الاستثمارات الخليجية عموما والسعودية على وجه الخصوص، حيث سبق لمجلس التعاون الخليجي أن خصص للمغرب سنة 2011 ميزانية مهمة لدعم اقتصاده والتي بلغت 2,5 مليار دولار لتمتين العلاقات بين الدول الخليجية والمغرب عبر تقوية الاستثمارات والمبادلات التجارية بعد التضيقات التي تعرضت لها الأموال التابعة للدول الخليجية بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001، وكذا ارتفاع أسعار النفط، مما دفع دول الخليج إلى التفكير في القيام بالاستثمار في الدول المغاربية وبخاصة في المجالات البنكيةّ،المالية، البنيات التحتية والمجال السياحي..[2]، رغم أن الإجراءات الخاصة بتشجيع المستثمرين في الداخل والخارج لازالت تواجه صعوبات جمة في معظم البلدان العربية، وفي هذا الصدد حث الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش بتاريخ 29 يوليو 2018 على ضرورة الإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار التي تعرف اختلالات كبيرة كما هو الشأن بالنسبة للإجماع الذي ينبغي تعويضه بالموافقة على القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين، وتجميع كل اللجان المعنية بالاستثمار في لجنة جهوية موحدة[3]، بدل تشتيت الجهود في لجان متعددة يُخسر فيها المال والوقت والجهد أيضا.

يعتبر المغرب أحد أبرز وجهة الدول الخليجية المفضلة للاستثمار فيه خصوصا وأن العلاقات المغربية الخليجية عرفت نقلة مهمة خلال العشر السنوات الماضية، وقد ارتفعت الاستثمارات الخليجية في الدول المغاربية من حوالي 36 مليون دولار سنة 1990  (8% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة) إلى تقريبا 986 2, مليون دولار خلال سنة 2012، أي أنها تضاعفت لأزيد من 82 مرة تقريبا.[4]

تقوم المملكة العربية السعودية باستثمارات مالية مهمة في المغرب، حيث سبق وأعلن عضو مجلس الأعمال السعودي المغربي محمد بن بدر الدوسري والرئيس التنفيذي لشركة المشرق للتطوير عن رغبة السعودية في وصول استثماراتها بالمغرب إلى 38 مليار بنهاية سنة 2016، خصوصا وأن المغرب يقدم تسهيلات كافية للمستثمرين السعوديين، فضلا عن تنسيق الحكومتين من خلال المجلس الأعلى ومجلس الأعمال المشترك، كما عملا على إنشاء خط بحري لشحن السلع يربط بين موانئ جدة وطنجة والدار البيضاء لتخفيض كلفة النقل ورفع قيمة المبادلات التجارية التي يهيمن فيها النفط وبعض المواد الأولية والزراعية، حيث قُدّرت التجارة البينية بنحو ثلاث مليارات سنة 2014، علاوة على أن السعودية تعد خامس مُصدّر للمغرب بعد إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والصين. ساهمت الشركة السعودية "أكوا باور" بتعاون مع الشركة الإسبانية "سنور غروب دي انخيكا" في بناء محطتين للطاقة الشمسية بمدينة ورزازات بمبلغ 3 مليارات دولار لإنتاج حوالي 550 ميغاواط من الطاقة الكهربائية بحلول سنة 2018، هذا المشروع الكبير الذي قُدّر بنحو 11 مليار دولار لإحداث 5 محطات تعمل بالألواح الشمسية لإنتاج ألفي ميغاواط من الكهرباء النظيفة[5].

سبق للمغرب والسعودية أن قررا إحداث شراكة صناعية وتجارية واستثمارية بينهما وفقا لمذكرة تفاهميه موقعة مع المغرب بمناسبة المعرض الاقتصادي الذي نُظّم بالدار البيضاء سنة 2014 لإطلاق العمل ب "صندوق الاستثمار المغربي السعودي" الذي قُدّر له في البداية مبلغ 500 مليون دولار بمشاركة القطاعين العام والخاص بالمملكتين، ويحيل هذا الاتفاق إلى رغبة البلدين في تعزيز علاقاتهما وتمتينها وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والرفع من حجم الاستثمارات بينهما[6].

يعود التعاون العسكري والاستخباراتي بين المغرب ودول الخليج لسنة 1990 بعد المشاركة ضد الغزو العراقي للكويت والتي تلاها اتفاق للتعاون الأمني بين المغرب والإمارات العربية المتحدة سنة 1992، بينما وُقّعت اتفاقية للتعاون العسكري والتقني في 15 دجنبر 2015 بين المغرب والسعودية قصد تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في المجال العسكري من خلال القيام بالتدريبات والمناورات المشتركة[7].

يتضح مما سبق أن المغرب يستفيد بشكل كبير من علاقة دول الخليج بالدول المغاربية، بحيث أن المغرب يستحوذ على حصة مهمة من الاستثمارات التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي في الدول المغاربية، وبخاصة الاستثمارات السعودية في المغرب.

ثانيا: أزمات عابرة بشروط    
استدعي السفير المغربي مصطفى المنصوري بالرياض للتشاور قصد الاستفسار حول إيقاف مشاركة المغرب في العمليات العسكرية مع التحالف العربي الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية، غير أنه لم يصدر أي بلاغ رسمي عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربية، لكن السيد بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي أكد في حوار تلفزي على قناة الجزيرة في برنامج بلا حدود على أن :"تغيير المغرب لسياسته الخارجية اتجاه هذا التحالف جاء نتيجة  لتقييم المغرب لسياسته الخارجية وبسبب أيضا مجموعة من التطورات الحاصلة في الأزمة اليمنية من حيث وجود قلق مرتبط بالجوانب الإنسانية والسياسية وكذا على مستوى الإعداد للاجتماعات والتهيئة لها ثم أيضا بناء على قناعات المغرب المرتبطة بهذا الشأن.  

أسهم تقدم ترشح المغرب لاحتضان نهائيات كأس العالم سنة 2026 في توتر العلاقات الثنائية بين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية حينما صوتت هذه الأخيرة لصالح الملف الثلاثي الأمريكي - الكندي - المكسيكي، وهو موقف ناتج بالأساس عن الخلافات المتصاعدة في صمت بين البلدين، خصوصا وأن المغرب كان حياديا في الأزمة الأخيرة التي وقعت بين قطر والمملكة العربية السعودية، بعدما عبرّ المغرب عن إمكانية توسّطه في هذه الأزمة، لأنه تربطه علاقات مهمة مع مجمل دول مجلس التعاون الخليجي، هذا الأخير الذي سبق وأن رحّب بانضمام المغرب والأردن بعد الحراك الذي شهدته المنطقة العربية منذ سنة 2011 لتحصين أنظمتها بعد سقوط نظامي زين العابدين بن علي والراحل معمر القذافي، لينتهي الأمر إلى شراكة استراتيجية للمغرب مع المجلس توجت خلال سنة 2012  بتوقيع الطرفين في المنامة على مخطط عمل يشمل الفترة الممتدة ما بين (2012-2017) يضم مجالات متعددة بآليات تقارب آليات الشراكة المتقدمة التي تربط المغرب بالاتحاد الأوروبي[8]، الأمر الذي أسهم في تعزيز العلاقات المغربية- الخليجية والسعودية على وجه الخصوص..

 تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية حليفا مهما للمملكة العربية السعودية، في ظل دعم الأولى لهذه الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط لأنها تستفيد في علاقاتها اقتصاديا واستراتيجيا..

يُعتبر المساس بقضية الوحدة الترابية خطا أحمرا بالنسبة للمغرب، وهو ما برز في العديد من المحطات..، حيث واجه المغرب خلالها كل من تجاوز هذا الخط بصرامة، ومن ثمة فقضية بث الشريط التلفزي على قناة العربية والذي مسّ سيادة المغرب كان أحد الأسباب الرئيسية التي يظهر أنها أسهمت في توتر العلاقات بين المملكتين المغربية والسعودية.

ثالثا: مستقبل العلاقات المغربية السعودية
إن تعزيز العلاقات المغربية السعودية وتمتينها رهين باحترام المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية للبلدين، مثل احترام مبدأ الوحدة الترابية، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، استقلالية القرار الخارجي.. واستحضار العلاقات التاريخية والمصالح القائمة الاستراتيجية بين البلدين من أجل تطويق الأزمة الراهنة بين الطرفين.

رغم الصراع التاريخي الذي مرت منه العلاقات الفرنسية الألمانية إلا أن هذا الصراع لم يمنع وجودهما داخل تكتل الاتحاد الأوروبي، فهو في حقيقة الأمر درس مهم ينبغي أن تستفيد منه الدول العربية في تمتين علاقات بعضها البعض على جميع المستويات.

إن تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول العربية والمغاربية سيشكل مدخلا مهما لمواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والأمنية من جهة، ويمكنه تفعيل التكتلات الجامدة وقد يحدث تكتلات جديدة تهتم بمجالات مختلفة من جهة أخرى.

خاتمة:
إن الخلافات التي تقع بين الدول هي مشاكل عادية يمكن تجاوزها عند التفكير في مصالح الدول وشعوبها، فالعلاقات المغربية السعودية علاقات ضاربة في أعماق التاريخ وأن ما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما، فالانقسام والصراع بين الدول العربية في المنطقة كفيل بضرورة إعادة النظر في العلاقات الثنائية بين البلدين وتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها السياسة الخارجية للبلدين المغرب والسعودية، وبالتالي طي صفحة الماضي والانطلاق في علاقات جديدة ترمي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية للبلدين وللمنطقة العربية بأكملها في ظل وجود مقومات مهمة مرتبطة بالتاريخ المشترك، الحضارة، اللغة، الدين.. والتي لا تتوفر في مجموعة من دول العالم التي أحدثت تكتلات أضحت لها مكانتها على مستوى الساحة الدولية.


[1]-فؤاد فرحاوي، العلاقات السعودية –المغربية نموذجا، الشراكة المغاربية-الخليجية: تكامل لمواجهة المخاطر الأمنية، مجلة آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، المملكة العربية السعودية، العدد 107، مايو 2016، ص 29-30.

[2] - فؤاد فرحاوي، العلاقات السعودية –المغربية نموذجا، المرجع السابق، ص 31-32.

[3] - الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 19  لعيد العرش بتاريخ 29 يوزليوز 2018، انظر الرابط التالي:

http://www.maroc.ma/ar/%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9

[4] -شريف شعبان مبروك، الاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي : شراكة مصالح..وتكامل الشعوب والدول، مجلة آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، المملكة العربية السعودية، العدد 107، مايو 2016، ص 20.

[5] - شريف شعبان مبروك، الاستثمارات الخليجية في دول المغرب العربي : شراكة مصالح..وتكامل الشعوب والدول، مرجع سابق ص 24.

[6] -المرجع السابق ص 24-25.

[7] -محمد مجاهد الزيات، التعاون العسكري بين دول المغرب العربي ومجلس التعاون: دعم استخباراتي لا قتالي ميداني، مجلة آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، المملكة العربية السعودية، العدد 107، مايو 2016، ص 48.

[8] - نواف المطيري، رؤية خليجية لمستقبل العلاقات بين الجانبين، التكامل الخليجي- المغاربي: خيار استراتيجي تجاوز مرحلة الشراكة، مجلة آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، المملكة العربية السعودية، العدد  107،  مايو 2016، ص 35.