عملية نبع السلام: الأهداف، الأهمية، التحديات

أعلنت تركيا بدء عملياتها العسكرية في المناطق القريبة من حدودها في شمال سوريا يوم 9 تشرين الأول 2019، وأطلقت على العملية تسمية "نبع السلام"، بعد أن توصلت مع أمريكا إلى اتفاق حول إنشاء المنطقة الآمنة هناك، وأبلغت دول حلف الناتو والدول الأوربية وروسيا وأمريكا بها، حتى أنها أبلغت النظام السوري من خلال قنصليته في استانبول.     

يفضل بدايةً إعطاء لمحة عن مكونات الجزيرة السورية، حيث تضم هذه المنطقة عرب وأكراد وأشوريين وتركمان وسريان...، لكن غالبية سكانها من العرب، وهذا ما حاول تنظيم الـPKK الإرهابي وفروعه من التنظيمات المسلحة الكردية تغييره، من خلال تهجير قسم كبير من العرب من أراضيهم. لذلك تأتي أهمية عملية "نبع السلام" في أنها ستسمح بعودة الكثير ممن تم تهجيره من أراضيه. كذلك من خلال الأهداف الثلاثة التي حددتها القيادة التركية لهذه العملية، وهي القضاء على الممر الإرهابي الذي يريد تنظيم الـPKK وفروعه تأسيسه في شمال سوريا، وإحلال السلام والاستقرار في هذه المنطقة، وتشكيل منطقة آمنة تمتد من جرابلس حتى المالكية على الحدود العراقية وبعمق 30-40 كم وعلى امتداد 460 كم، والعمل على عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، بالإضافة إلى القضاء على الطموحات الانفصالية لتنظيم الـPKK، مما يساعد في الحفاظ على وحدة سوريا. كذلك تريد تركيا حفظ أمنها وحدودها وسلامة مواطنيها، والقضاء على التهديدات المباشرة وغير المباشرة للأراضي التركية، ومنع المسلحين الانفصاليين من الوصول لإراضيها، وليس لتركيا أي أطماع في أراضي الدول المجاورة، وهذا التدخل أجبرت عليه تركيا بسبب ظروف المنطقة والتهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي التركي.

وبالنسبة لما يُروج له البعض بأن هذه العملية موجهة ضد الأكراد، فتنظيم الـPKK لا يمثل الأكراد، مثلما أن تنظيم داعش لا يمثل المسلمين، وأغلب الأكراد معارضين لسياساته الانفصالية، كذلك فإن تركيا استقبلت أكثر من 300 ألف لاجئ كردي سوري، وخاصة من مدينة عين العرب، وهذه العملية تستهدف الفصائل الانفصالية ممثلة بتنظيم الـPKK وفروعها، حيث ان هذا التنظيم لم يكتف بتهجير العرب فقط من أراضيهم، بل أن كثير من الأكراد تعرض لظلمه، وكل من يعارض فكره سواء كان عربي أم كردي كان يتعرض للاعتقال والتعذيب أو حتى القتل، كذلك فإن هناك قوات كردية ضمن فصائل الجيش الوطني السوري، فضلاً عن ان ممثلي الأكراد في الائتلاف الوطني السوري المعارض أعلنوا دعمهم لعملية نبع السلام.

ان تهمة التغيير الديموغرافي التي يتهم بها البعض تركيا، يفندها أن تركيا لم تميز بين عربي أو كردي أو تركماني من اللاجئين، وكذلك في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، تركيا عاملت الجميع بشكل متساو، باستثناء المرتبطين بتنظيم الـPKK  أو داعش. بينما قام تنظيم الـPKK  وPYD باتباع سياسة التغيير الديموغرافي وهجروا آلاف العرب من أراضيهم. إن العملية العسكرية الأولى للجيش التركي في الأراضي السورية استهدفت تنظيم داعش في منطقة الباب وأطرافها (منطقة درع الفرات)، كذلك قدمت تركيا دعماً للأكراد في حربهم ضد داعش وخاصة في مدينة عين العرب، وذلك عندما كانت الفصائل المسلحة الكردية وقتها بعيدة عن تنظيم الـPKK .

هنالك أهمية أخرى في عملية نبع السلام بالنسبة للسوريين، بأن فصائل الجيش الحر توحدت تحت راية الجيش الوطني، وهو ما يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا إذا استمر هذا التوحد. كذلك توسع المنطقة الآمنة سيساعد على عودة كثير من اللاجئين السوريين لبلدهم، وخاصة أن منطقة درع الفرات وغصن الزيتون شهدت عودة آلاف اللاجئين السوريين لها.

حتى كتابة المقال فإن تقدم وحدات الجيش الوطني السوري والجيش التركي مستمر، وتمكنوا من تحرير عدة قرى في أطراف تل أبيض ورأس العين، وتتم العملية وفق ماهو مخطط لها، ورافق ذلك موجة هجرة من تلك القرى، وخاصة بعد قيام تنظيم الـPKK وفروعه بتلغيم الكثير من البيوت، لذلك رغب أهالي تلك المناطق بالابتعاد عن مسرح العمليات العسكرية ريثما يتم تطهيرها ليعودوا لها. لقد لجأ تنظيم الـPKK وفروعه إلى استخدام صور مزيفة من مناطق أخرى في سوريا، تم تصويرها في وقت سابق، لضحايا قصف قوات النظام السوري والقصف الروسي، واستخدمتها على أنها لضحايا قصف الجيش التركي خلال عملية نبع السلام، وهذا دليل على إفلاسهم واستمرارهم بالكذب والخداع.

يُتوقع أن تكون هذه العملية العسكرية سهلة لعدة كيلومترات، وخاصة أنها ستحظى بإسناد جوي من القوة الجوية التركية، لكن تأمين المناطق وتمشيطها للسماح بعودة الأهالي لها من الممكن أن يستغرق وقت أطول، وخاصة في ظل لجوء تنظيم الـPKK الإرهابي وفروعه لتلغيم العديد من البيوت. من جهة أخرى إن هذه المنطقة مكتظة بالسكان من كل القوميات، وتنظيم الـPKK وفروعه حصل على كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية الحديثة في الأشهر الماضية، بحجة مساعدتهم في محاربة تنظيم داعش، على الرغم من أن أمريكا أعلنت نهاية تنظيم داعش منذ عدة أشهر. كما ان توغل الجيش الوطني السوري والجيش التركي إلى الداخل السوري قد يُصعب المهمة إذا غاب الغطاء الجوي، وفي هذه الحالة من المرجح أن تلجأ تركيا إلى استخدام الطائرات بدون طيار.

هنالك تحدي قد يواجه العملية وهو أن تنظيم الـPKK وفروعه قد هددوا بإطلاق سراح الدواعش من سجونهم، مما سيشكل خطر على تركيا وعلى كل المنطقة والعالم، وخاصة في حالة تمكن هؤلاء من التسلل والخروج من هذه المنطقة، وخاصة في ظل أن تركيا أعلنت أنها ستكون مسؤولة عن المعتقلين الدواعش. لقد أعلن الرئيس أردوغان أن تركيا ملتزمة بهذا الملف، ومستعدة لتحمل مسؤوليته. كذلك هنالك تحدي أمني داخلي قد تواجهه تركيا، وخاصة أن تنظيم الـPKK الإرهابي دعا أنصاره في كل العالم للتحرك ضد تركيا، لذلك لابد لتركيا من القيام بتعزيز إجراءاتها الأمنية لمواجهة هذا التهديد.

ان إطالة مدة هذه العملية العسكرية قد تشكل ضغط على الاقتصاد التركي الذي يعاني من بعض الأزمات الاقتصادية في الفترة الأخيرة، ومن الأفضل لتركيا أن تنهي العملية بأسرع وقت، قد يكون من المناسب انهاء هذه العملية قبل لقاء ترامب وأردوغان في 13 من الشهر المقبل.

أما بالنسبة للمواقف الدولية من عملية نبع السلام فمن المستغرب موقف جامعة الدول العربية التي نددت بالعملية، ودعت لاجتماع عاجل لوزراء خارجية الدول العربية، وهي نفسها تلك الجامعة التي صمتت لسنوات عن التدخل الروسي والإيراني في سوريا، والذي خلف آلاف القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ، ودمر كثير من البنى التحتية لسوريا، وإيران التي تتفاخر باحتلال 4 عواصم عربية. وكذلك فإن أغلب الدول العربية باستثناء قطر عارضت هذه العملية، وفي نفس الوقت تصمت عن كل المجازر التي تعرض لها الشعب السوري. وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأوربية والتي هي من أكثر المستفيدين من تأسيس منطقة آمنة هناك، الأمر الذي سيحد من أزمة اللاجئين بها. أما بالنسبة لإيران فموقفها ليس مستغرب في ظل تحالفها ودعمها لنظام الأسد، حيث أعلنت معارضتها للعملية، بينما ألتزمت روسيا الصمت ودعت للحوار بين تركيا والنظام السوري.

تركيا وقفت إلى جانب السوريين في محاربتهم لتنظيم داعش في منطقة درع الفرات، والآن تقف إلى جانبهم لتحرير أراضيهم من سيطرة تنظيم الـPKK الإرهابي وفروعه، وتريد تركيا عودة كل سكان هذه المنطقة من عرب وأكراد وتركمان وسريان ومن باقي المكونات إلى أراضيهم، وأن يعيشوا بأمن وسلام، لذلك فإن نجاح هذه العملية سيكون من مصلحة جميع السوريين.