تقدير موقف

هل ستصمد حكومة الكاظِمي أمام التحديات التي يواجِهها الاقتصاد العراقي؟

منذ عام 2003 ولغاية الآن، واجه العراق ثلاث أزمات اقتصادية، حدثت جميعها لذات السبب، وهو اعتماد الاقتصاد العراقي بشكل شبه كامل على النفط. هذا الاعتماد المفرط على النفط، جعل الاقتصاد العراقي رهينة لتقلباته، وجميع العوامل المؤثرة فيه، بما فيها قوانين العرض والطلب، والاحداث السياسية والأمنية، فضلاً عن الأسباب الصحية، كما حدث مؤخراً بعد ظهور فيروس Covid-19.

اختلفت الأزمات الثلاث من حيث درجة حدتها وتأثيرها، فلم يكن لأزمة (2008-2009)، ذلك التأثير الكبير، إذ سارعت الأسعار بالتعافي بعد مدة، فضلاً عن إن العراق ذلك الوقت، لم يكن يمتلك هيكلاً تنظيمياً مترهلاً بالمؤسسات والوظائف كما هو حاصل الآن.

أما أزمة عام 2014، فكانت حادة التأثير، إذ رافقها احتلال تنظيم داعش الارهابي، لحوالي الثلث من الأراضي العراقية، مما جعل حكومة العبادي (2014-2018) أمام تحدٍ مزدوج، الأول أمنيّ والثاني اقتصاديّ. فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، فإن خطوات الحكومة آنذاك من خلال عمليات الترشيق المؤسسي، والتقشف الموازناتي، فضلاً عن الإمكانات المتاحة للاقتراض الداخلي والخارجي، أفضت إلى نجاح العبادي وفريقه في تجاوز الأزمة، مع فائض مدور إلى موازنة عام 2019، قدره (6.5) مليار دولار أمريكي تقريباً.

مع بداية عام 2020، كان الأمر مختلف قليلاً، ففضلاً عن التحدي الذي كانت تمر به حكومة عبد المهدي، بسبب الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العاصمة وعديد من المحافظات، وما رافقها من أحداث أمنية فضيعة، بدأ الفيروس التاجيّ Covid-19 بالانتشار، فارضاً نفسه على العديد من الدول المستهلكة للنفط، حتى أجبرها على قيود كاملة وجزئية للإغلاق، مما جعل اختلال العرض النفطي مقابل الطلب عليه، أمر حتمي. هذا الاختلال سارع في جعل الأسعار تتهاوى بسرعة، مما أعاد الأزمة بشكل أقسى، خاصة مع سياسة حكومة عبد المهدي التوسعية في الإنفاق التشغيلي، إذ ارتفعت تعويضات الموظفين وحدها بمقدار (7) مليار دولار أمريكي تقريباً عما كانت عليه في موازنة عام 2018.

دفعت الاحتجاجات الشعبية ومطالبها بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل، فضلاً عن البيانات شديدة اللهجة، الصادرة عن المرجعية العليا في النجف، الحكومة السابقة برئاسة عبد المهدي للاستقالة، مع ترحيلٍ لكافة المشكلات الاقتصادية إلى الحكومة القادمة، هذا الترحيل، صعَّب المهمة على الحكومة الجديدة أكثر، وجعلها قابَ قوسينِ أو أدنى من الصمود أو الانهيار.

بتاريخ 7/آيار/2020، صوَّت مجلس النواب العراقي، على اختيار مصطفى الكاظمي رئيساً لمجلس الوزراء، فضلاً عن أعضاء حكومته، مع جعبة ثقيلة من المشكلات الاقتصادية، هذه المشكلات لم تكن وليدة اللحظة، لكنها بدأت تتعمق شيئاً فشيئاً، ولعلّ أهم تحدٍ اقتصاديٍّ نتج عن هذه المشكلات، هو أزمة المالية العامة.