إنتخابات12 حزيران/ جوان 2021 التشريعية في الجزائر: بين جدلية مصداقية المرشح وواقعية انشغالات الناخب

انتهت الحملة الانتخابية لتشريعيات 12 حزيران/ جوان 2021 ، بعد 3 أسابيع من التنافس بين المرشحين من الأحزاب السياسية ومرشحي القوائم الحرة في جو انتخابي مشحون، بين أزمة إقتصادية خانقة وأخرى صحية يعيشها العالم منذ عام ونصف (جائحة كوفيد 19). هذه الانتخابات هي ثاني حدث انتخابي منذ أن عرفت الجزائر التعددية منذ ثلاث عقود في ظل دستور الجمهورية الثانية في عام 1989. ويعوّل غالبية الناخبين المسجلين في القوائم الإنتخابية على هذه الإنتخابات التشريعية، فضلاً عن الأغلبية الصامتة التي لا تزال الرقم المركّب في المعادلة لهذا الاستحقاق.

جرت الحملة الانتخابية في إطار تدابير جديدة جاء بها القانون المتعلق بنظام الانتخابات، على غرار حظر استخدام المرشحين أو الأشخاص المشاركين في الحملة الانتخابية لخطاب الكراهية وكل أشكال التمييز، وتم التوقيع على ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية من طرف رؤساء الأحزاب السياسية وممثلي القوائم المستقلة.

لكن يبقى شبح نسبة المشاركة يلاحق مسار الانتقال السلمي والتغيير الديمقراطي للسلطة في الجزائر، الذي افرزته آليات الحراك الشعبي السلمي لعام  2019، والذي تمخضت عنه انتخابات كانون الأول/ديسمبر 2019 وتلاها استفاء مشروع دستور الجمهورية الثالثة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020  والمصادق عليه من قبل رئيس الجمهورية في أذار/ مارس 2021 ، والتي تعد الأرضية الدستورية لتنظيم إنتخابات تشريعية مسبقة تتماشى مع الإرادة السياسية وإدارة الرئيس السيد عبد المجيد تبون، وسوف تتبع هذه الانتخابات بإنتخابات محلية في الخريف القادم.

علاقة السياسة بثقة الناخب
تبقى العلاقة بين المرشح والناخب هي علاقة جدلية حيث بات عامل المصداقية هو المسيطر على المسار الإنتخابي في الجزائر منذ وقف المسار الديمقراطي، مسار انتقال السلطة السلمي في عام 1991؛ ما أدّى في إلى كسر عامل الثقة بين الناخب والطبقة السياسية والنخب وحتى الإعلام الرسمي العمومي والخاص، بل أبعد من ذلك دخلت الجزائر في عزوف سياسي على المستوى القاعدي الجماهيري وبروز طبقة سياسية انتهازية. مما جعل استحالة حتى التفكير في ترسيخ عقدا سياسيّا يرتكز على مفهوم الممارسة الديمقراطية السليمة وتحسين وعي الناخب وتنوير فكر الساسة ومرشحهم.

إلاّ أن الكثير من المحللين يرون التطور الجديد في استحقاق 12 حزيران/جوان الجاري هو بروز كفاءات شابة سوف تدخل المعترك السياسي لأول مرة، وفئات كانت محبطة بسبب الاستحقاقات السابقة وتعرَّضها للإقصاء من قبل أوليغارشية منظومة الرئيس المقال السيد عبد العزيز بوتفليقة، إضافة إلى ظاهرة استفحال المال الفاسد والمحسوبية. أما هذه المرة فقد ظهرت كفاءات جديدة توفَّرت لها جميع شروط الترشيح، كما بدا غياب سطوة المال السياسي أو ما يعرف عند الناخب الجزائري بـ"الشكارة"بمقتضى القانون الجديد للانتخابات، والذي ضيّق الخناق على العلاقات المشبوهة بأوساط المال والأعمال وكل الوسائل للتأثير على إرادة الناخبين.

يبقى عامل المفاجأة هو الأخر له أثاره داخل قصر زيغود يوسف (البرلمان) عند الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، حيث سوف يصل إليه بعض من الأحزاب السياسية المخضرمة، مثل حزب بجهة التحرير الوطني، وبعض الأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي مثل حزب البناء الوطني، كما يبقى حزب "حمس" الحزب الإسلامي الذي يعاني من أزمة هوية سياسية على غرار حزب جبهة القوى الإشتراكية، هذا الحزب العريق الذي يعد من أقدم أحزاب المعارضة للنظام الجزائري منذ تأسيسه عام 1963 ، هو الأخر يعيش أزمة هوية سياسية منذ وفاة زعيمه الروحي السيد حسين ايت أحمد.

دعا حزب جبهة القوى الإشتراكية لمقاطعة الانتخابات مع باقي الأحزاب العلمانية واليسارية أو ما يسمى بالبديل الـ"ديمقراطي"، يطالب هذا التيار بمواصلة الحراك بتنحي كل إطارات النظام والمطالبة بدولة مدنية ليست عسكرية، حسب رؤيتهم، وهم يطالبون بمرحلة إنتقالية أيضاً.

المرحلة الانتقالية
وجّه الرئيس عبد المجيد تبون عند إنتخابه دعوات للحوار الوطني، لقيت بالقبول من العديد من الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني، قبل أن تضع السلطة الأمنية والفعلية في البلاد قبضتها على مسيرات الجمعة والثلاثاء، بعد انحراف الرسالة السلمية التي عرفتها المسيرات السلمية في مراحلها الثلاث من فبراير/شباط إلى 12 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019، وتحوّل هذه المسيرات إلى منبر دعاية وعداء ضد المؤسسة العسكرية، من طرف العديد من التنظيمات التي صنفها المجلس الأعلى للأمن بالمنظمات الإرهابية وفي مقدمتها حركتي رشاد الـ"إسلاموية" والـ"ماك" العرقية الانفصالية.

تراجع أعداد المحتجين في الشارع بشكل كبير جدا خاصة في الجزائر العاصمة والمدن الكبرى، بإستثناء المدن ذات الأغلبية الأمازيغية المعروفة في الجزائر ببلاد القبائل الواقعة في الشمال الشرقي للبلاد.

بدأ الكلام عن المرحلة الانتقالية أيام قبل إقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفقلية 22  نيسان/ أبريل 2019، عندها ساد نوع من القلق عند بعض الأحزاب اليسارية العلمانية و رموز الدولة العميقة من الذهاب بالبلاد إلى المجهول، حسب رأيهم  المرحلة الانتقالية تعد الحل المرحلي الأنسب. حيث لم تلق تلك الفكرة إجماعا بين الأطياف السياسية وحتى وسط الشعب في الحراك وذلك بالنظر للتجربة الأليمة التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بسبب خيار التوجه إلى مرحلة انتقالية بعد إنقلاب العسكر على الرئيس الشاذلي بن جديد.

القضية أيديولوجية أكثر منها مشروع سياسي، يراها التيار العلماني قضية صراع بين مشروعين: بين جدلية الحداثة وواقعية الهوية والانتماء، فاستحقاق 12 حزيران/جوان الجاري قد يفصل في موضوع المرحلة الإنتقالية، الذي ترفضه الأغلبية الصامتة والجزائر العميقة بكل أطيافها. كما بدا واضحا أن إدارة الرئيس السيد عبد المجيد تبون كسبت معركة الصراع عن السلطة مع الشارع المتمرّد وداخل أجنحة النظام. ينسب هذا لعدّة عوامل داخلية منها فهم الجزائريون أنّ التعّنت مع النظام ليس في مصلحتهم، أضحى شغل الناخب الشاغل والوحيد هو تحسين قدرته الشرائية واستقرار وأمن البلاد.

من هي المعارضة؟
كانت المعارضة الجزائرية تلقّب في السابق بالكاشير (Sausage) بسبب هشاشتها وموالاتها العمياء لمنظومة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث كان قادتها بين مقربين ومطبلين، هذه المرة اختار قادة الأحزاب نهج المعارضة البنّاءة، أخذت شعار خيار الصندوق، واصفين أصحاب المرحلة الانتقالية بالمعرقلين والرافضين للمسار السلمي لإنتقال السلطة في الجزائر.

ويتوقع المحللين أن تفرز الانتخابات التشريعية القادمة معارضة سياسية معتدلة وواقعية في الجزائر، التي سوف تظهر بنية وحجم القوى السياسية الجديدة ليس في الأحزاب الكلاسيكية أو ذات الخبرة بل سوف تفرز كيانا للتحالفات بين الأحزاب الصغيرة والقوائم الحرة التي سوف تلعب دورا بارزا في تشكيل الحكومة القادمة، إحتمال تكوين ائتلاف إسلامي-وطني داخل الغرفة السفلى المنتخبة لمنح الثقة للحكومة الجديدة، متجنبة النموذج التونسي. هذا ما يريده الرئيس السيد عبد المجيد تبون بغية إنشاء حزبا سياسيا على غرار حزب التجمع الوطني في عهد الرئيس اليامين زروال عام 1997، علما أن الرئيس عبد المجيد تبون لا ينوي أن يتقدم إلى ولاية رئاسية ثانية في عام 2024.

من المتوقع أن تفرز إنتخابات  12حزيران/جوان الجاري تجمعا قويا لمساندة مشروع الرئيس السيد عبدالمجيد تبون و منحه صفة المشروعية التي لا تزال أحزاب المعارضة اليسارية العلمانية وبعض النخب والإعلام الفرنكوفوني المكتوب تتواصل في مساندة خطاب الرفض والتشكيك في إنجازات ادارة الرئيس السيد عبد المجيد تبون.

إنتخابات12 حزيران/جوان الجاري سوف تغلق نهائيا حلقة الإصلاح والتغيير السلمي، والتي سوف تكون الضربة القاضية للقوى السياسية التي راهنت على المرحلة الانتقالية، التى رفضها الرئيس والمؤسسة العسكرية، كما جاء في افتتاحية العدد الأخير في مجلة الجيش: "الشعب الجزائري لا يلدغ مرتين لقد اكتوى بنار تجار الدين و خيانة سماسرة التقسيم و لم يعد اليوم مستعدا أن يضيع سنوات أخرى في الاستماع إلى من يتسامرون على ضفاف البوسفور و يتباكون على حائط سليمان أو يعالجون روماتيزمهم المزمن برمال مراكش".

الكلمة عند الناخب وليس من المعقول أن يحكم مسبقا على أن هذا الإستحقاق بأنه محاولة أخرى للنظام للعودة بقوة بعد زلزال حراك فبراير/شباط 2019.؛ تبقى هذه الرؤية التشاؤمية المثيرة لليأس كما يعتقد التيار المعرقل والرافض للدفع بجزائر قوية، لذلك لا يمكن اليوم إلقاء اللوم على النظام كون الأخير لا يسلّم أبدا مفاتيح الحكم بالسذاجة التي يطالب بها هؤلاء المغرورين سواء في الداخل أو في الخارج. وعي الناخب الذي طالما غيّبت كلمته لثلاث عقود كاملة بحجة الشرعية الثورية تارة و"محاربة" الإرهاب تارة أخرى، اليوم الناخب فهم القصة أو كما يقول: "فهمنا الحكاية!".

إن الناخب في نهاية المطاف هو إبن بيئته الاجتماعية والسياسية، يتعامل مع واقعه بمنطق المصلحة وحب الوطن حتى على الأحزاب السياسية سواء منها المطبّلة، أو التي لا تزال لا تفرق بين العمل الخيري والنضال السياسي من أجل الوصول إلى السلطة عن طريق الصندوق، الصندوق هو الوحيد الذي يفصل بين الناخب والنائب. إلا أنّ المسؤولية الأكبر تتحملها هذه الأحزاب والنّخب وما يعرف بجمعيات المجتمع المدني بسبب غطرستها ونظرتها الافقية للمجتمع من جهة، وتماطلها وولاءها مع السلطة من جهة ثانية، بأداء دورها لنشر وعي حقيقة معنى فكرة النضال الحزبي والمجتمع المدني ومفهوم المواطنة عموما.

لا يزال الناخب الجزائري يعاني من الجهوية (عرقية ومذهبية)، لوحظ ذلك في كل الانتخابات المحلية والتشريعية منذ الاستقلال. يبقى هذا الحق الدستوري للناخب كأداة ردع في يده على من ينتخبهم، الذين يجب عليهم أن يعوا أن الذهاب إلى قصر زيود يوسف ليس للإستفادة الشخصية، ومنصب المشرع ليس وظيفة كما اعتاد عليه المشرع الجزائري منذ أوّل مجلس شعبي وطني منتخب في عام 1976، إنما لمراقبة أعمال وتصرفات الحكومة وتقديم مشاريع قوانين تصب في صالح المواطن وخدمة للوطن.

الديناميكية التي يشهدها المسار الديمقراطي في الجزائر تعد فرصة أخرى بعد تجربة الجمهورية الثانية ما بين 1991-1989؛  التي تم إجهاضها من قبل جنرالات الانقلاب وجنودهم المدنيين من التيار العلماني المتعصب اللذين كانوا يطالبون بحكم العسكر.

باتت وعود الرئيس السيد عبد المجيد تبون تدفع باتجاه جزائر جديدة منذ تعافيه من فيروس كوفيد-19، في كل ظهور على الإعلام المحلي أو الدولي، وهي مهمة وتسحب البساط من تحت أقدام التيار المعرقل والرافض في الداخل والخارج، على استمرار إدارته في استكمال مسار الإصلاح المؤسساتي والإداري والإقتصادي وهذا من أجل حياة أفضل يحلم بها الناخب في وطنه.