القمة العربية القادمة في الجزائر: التحديات والتوقعات

تم تحديد موعد عقد القمة العربية الـ 31 في الأول والثاني من شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بالجزائر. تعود آخر قمة عربية نظمتها الجزائر إلى عام 2005 وكانت تحت عنوان "إصلاح الجامعة العربية". سبق للجزائر أن نظمت قمماً عربية سابقة، على غرار قمة 1973 التي نُظمت في أجواء سياسية وأمنية واقتصادية عصيبة في العالم العربي، عرفت المنطقة العربية بعد تلك القمة تغيرات جيوسياسية مهمة على الصعيد الإقليمي والدولي؛ وشهدت أوضاع لا تختلف كثيراً عن السياق الإقليمي والدولي الراهن. كذلك استضافت الجزائر القمة العربية عام 1987، وعرفت تلك القمة نجاحاً كبيراً، وكان عنوانها "دعم الانتفاضة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت العربي".

 تأتي قمة الجزائر المقبلة بعد ثلاثة أعوام من آخر قمة عربية عُقدت في تونس، وبعد عودةً لافتة للجزائر إلى الساحة الإقليمية والدولية في العامين الأخيرين، بفضل العقيدة الجديدة للدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، الذي وضع مبادئ قوية لسياسة خارجية نشطة واستباقية، ما جعل الجزائر تسترجع المكانة القديمة لدبلوماسيتها المتوازنة تجاه القضايا الإقليمية والدولية.

من المتوقع أن تتناول القمة المقبلة أهم الملفات العربية بحسب تقدير الجامعة العربية، مثل تقييم وتقويم العلاقات العربية-العربية، وعلاقات العرب بجيرانهم في المنطقة، فضلاً عن ملفات اقتصادية أيضاً، كمناقشة سبل التكامل الاقتصادي العربي بعد جائحة "كوفید- 19"، وتفعيل الاستثمارات العربية البينية، ودعم الاقتصاديات العربية المتضررة، وأزمة الأمن الغذائي وأمن الطاقة التي تواجه العالم ومنطقتنا حالياً، في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

ملك المغرب في قمة الجزائر.. ولا مكان للنظام السوري!
بدأ المسؤولون الجزائريون، وفي مقدمتهم وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، بالزيارات واللقاءات المكوكية لتسليم الدعوات الرسمية لرؤساء وملوك وأمراء الدول العربية، مثل فلسطين ومصر والكويت وقطر والإمارات، والمملكة المغربية بعد قطيعة دبلوماسية بينها وبين الجزائر.

تداولت بعض وسائل الإعلام المقربة من الحكومة المغربية خبر موافقة الملك المغربي محمد السادس على المشاركة في قمة الجزائر، وانه شخصياً سيرأس وفد بلاده إلى هذه القمة، هذا ما ورد على موقع "Jeune Afrique" الناطق بالفرنسية، ومن ثم تناولت صحيفة "الشرق الأوسط" الخبر نفسه، كما ورد تعليق في موقع "Mondafrique" بأن خبر حضور الملك شخصياً في القمة كان مفاجئاً لجميع من في مبنى وزارة الشؤون الخارجية المغربية.

إن خبر "حضور" الملك المغربي لقمة الجزائر غطى على خبر عدم مشاركة النظام السوري في هذه القمة، الذي جاء بعد الكثير من الأحاديث والأخبار خلال الأشهر الماضية عن مشاركة النظام السوري في قمة الجزائر، وعن عودة سوريا للبيت العربي، واسترجاع مقعدها بالجامعة العربية، الذي لا يزال شاغراً منذ 2011، عندما قامت الجامعة العربية آنذاك بتعليق عضوية سوريا بسبب قمع النظام السوري للثورة السورية، وعدم استجابته للمبادرة العربية لحل الأزمة السورية في بداية اندلاعها.

منذ شهور بدأت الجزائر تسعى بإلحاح إلى مشاركة سوريا في القمة المقبلة واسترجاع مقعدها بالجامعة، لكن هذا السعي كان متوقعاً له الفشل منذ بدايته، وكاد أن يحرج الجزائر؛ كونها البلد المضيف للقمة والساعي لترتيب أوضاع البيت العربي. وصرّح وزير الخارجية الجزائري في بداية مساعيه في هذا الاتجاه، بأن غياب سوريا عن الجامعة العربية يضر بالعمل العربي المشترك.

وبحسب وكالة الأنباء الجزائرية، فإن وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، أكد لنظيره الجزائري رمطان لعمامرة، خلال اتصال هاتفي، أن النظام يفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعد سوريا بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك "حرصاً على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي" -بحسب قول المقداد-.

تساءل الكثير من المهتمين بالشأن العربي حول دوافع إصرار الجزائر على عودة سوريا للبيت العربي، ربما الجزائر نظرت إلى هذا الموضوع من نافذة العلاقات التاريخية بين البلدين، التي تعود جذورها إلى مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري، والذي اختار دمشق منفى له، بعد إقامته الجبرية القصيرة بفرنسا، ثم انتقل إلى مدينة بورصا بتركيا، ثم عاد واختار دمشق ثانيةً كمكان للعيش والاستقرار؛ وتوفي ودفن بها. في عام 1963، بعد استقلال الجزائر، استرجعت السلطات الجزائرية رفات الأمير عبد القادر من سوريا، وهو الآن مدفون بمقبرة الشهداء بالعالية بالجزائر العاصمة. كذلك كان الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة له علاقات متينة مع عائلة الأسد؛ كون رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد كان قد استضاف بوتفليقه في دمشق، عندما أُجبر على مغادرة الجزائر في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

من جهة أخرى، فأن الجزائر لها موقفاً مغايراً من الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في العالم العربي في 2011، التي أُطلق عليها تسمية "الربيع العربي"، البعض يرى بأنه موقفاً محايداً، حيث قررت الجزائر منذ الموجة الأولى لتلك الانتفاضات عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية التي تشهد تلك الاحتجاجات، فضلاً عن الجزائر كانت ترى في تلك الثورات مأساة أليمة وستكون لها عواقب وخيمة على المنطقة. موقف الجزائر تجاه "الربيع العربي" كان ينطلق من الذكريات المريرة لسنوات "العشرية السوداء" التي ما زالت راسخة في العقل الجمعي الجزائري، حكومةً وشعباً، فقد مرّت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي بفترة عنف وعدم استقرار سياسي بعد إلغاء مسار أول إصلاح سياسي في العالم العربي في عام 1992. مع ذلك، انتقد الكثير من النخب العربية والسورية موقف الجزائر تجاه الموجة الأولى للثورات العربية، فهم يرون بأن الحياد لا يصلح مع قضايا الشعوب المضطهدة والباحثة عن الحرية. ثم بمرور السنوات، عاشت الجزائر هي الأخرى الموجة الثانية للثورات العربية في عام 2019، حيث شهدت حراكاً شعبياً سلمياً أطاح بمنظومة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في شهر أبريل/نيسان 2019. الجزائر اليوم تريد أن تطوي صفحة الانقسامات، وتفتح صفحة المصالحة والإصلاحات.

من جانب آخر، رأى البعض بأن عاملاً آخراً وراء سعي الجزائر إلى مشاركة النظام السوري في القمة العربية المقبلة، وهو التأثير الروسي على السياسة الجزائرية، فالجزائر حالياً لديها علاقات وثيقة مع روسيا، بالمقابل، والسياسة الجزائرية تجاه موسكو مبنية على تنويع أُطر الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، على أساس المصالح المشتركة. فالجزائر في ظل الوضع الإقليمي الراهن، أصبحت تحتل موقع مهم في خارطة التحولات الجيوسياسية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتداعياتها الاقتصادية، خاصة الطاقوية، على دول الاتحاد الأوروبي.

التحديات والتناقضات
بغض النظر عما قيل وكتب عن انعقاد قمة الجزائر، وعن شروط بعض ملوك وأمراء ورؤساء الدول العربية لحضورها، فإن نجاح مخرجاتها سيسهم باستعادة ثقة الشعوب العربية بأهمية العمل العربي المشترك. فالشعوب العربية تمر بمرحلة احباط كبير، بسبب معاناتها من ويلات الحروب والانقسام والفقر والفساد والظلم. ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن القمة العربية، ولم الشمل العربي، هنالك مئات من الشباب العرب تبحر يومياً على قوارب الموت بحثاً عن حياة أفضل في الدول الأوروبية وشعارها: (الهروب إلى المجهول ولا البقاء تحت الظلم). حتى الدول الأوروبية لم تعد تلك الدول السخية المرحبة بالمهاجرين، بسبب صعود اليمين المتطرف وخطاب الكراهية ضد العرب والمسلمين والأزمة الاقتصادية. فالنموذج التكاملي الأوروبي هو الآخر أصبح مهدداً بسبب التداعيات الاقتصادية والأمنية على دول الاتحاد الأوروبي غير المتجانسة عرقياً ودينياً ومذهبياً وثقافياً.

يمكن وصف القمة القادمة في الجزائر بأنها قمة التحديات والتناقضات، المنطقة العربية تعيش تحدياً أمنياً يهدد الأمن القومي العربي المشترك، هناك دول عربية تدعو إلى إنشاء تحالف عسكري على غرار الناتو، مع إسرائيل، وتحت رعاية أمريكية، لمواجهة تهديد الخطر الإيراني، هذا الخطر الذي بدأ "هلالاً" وانتهى "قمراً" مكتملاً يسيطر على أربع دول عربية ويهدد الأخرى. باتت ليبيا منقسمة بين حكومتين، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، واليمن في الطريق إلى التقسيم مرة أخرى، وسوريا محتلة، والعراق تحوّل إلى دولة فاشلة، والسودان انقسم بين الشمال والجنوب، والصومال مهدد بالمجاعة من جديد، ومصر منهكة اقتصادياً وعسكرياً، وتونس تائهة بين الشرعية الدستورية والأزمة الاقتصادية، والجزائر بات أمنها القومي مهدداً من جميع الجبهات، ودول الخليج تبحث عن أمنها ومصالحها. الفلسطينيين منقسمين بين غزة ورام الله. كيف ستقود الجزائر القمة المقبلة في هذا السياق المشحون بالخلافات؟ وكيف ستحاول هذه القمة حلحلة كل هذه المشاكل العربية العربية؟

جاء منتدى وهران الأخير، منتدى تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك، كقيمة مضافة لمخرجات القمة العربية المرتقبة بالجزائر، وإمكانية اسهامها في تسوية الخلافات وتعزيز العمل العربي المشترك. هذا المنتدى يمكن وصفه بارقة أمل في ظل غياب تام (أو تغييب) للشعوب العربية التي أرهقها التهميش ومحيطها الإقليمي والدولي المضطربين، وغياب إستراتيجية عربية مشتركة، في مقابل معادلات معقدة للتنافس والصراع الدولي والإقليمي.

هذه المقالة نشرت في تاريخ 14 سبتمبر 2022 على موقع "عربي بوست" تحت عنوان " ملك المغرب في الجزائر لكن لا مكان لبشار.. القمة العربية القادمة بين التحديات والتوقعات"