إسرائيل والانتخابات الفلسطينية المقبلة

تواجه الانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع عقدها في 22 أيار/ مايو القادم أمام تحديات وعقبات كثيرة، أهمها إنها ستجري تحت تهديد بندقية الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسيطر على مفاصل مهمة في الضفة   الغربية، ويمنع الفلسطينيين من إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، بل ويلاحق ويطارد كل من يرشح نفسه للانتخابات من أهالي القدس الشرقية، سواء بالتهديد أو الاعتقال.

تنص الاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية التي تم توقيعها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 على السماح للفلسطينيين بالمشاركة بالانتخابات الفلسطينية ترشيحاً وانتخاباً، وشارك سكان القدس الشرقية بالانتخابات الفلسطينية التي جرت في الأعوام 1996 و2005 و2006.

هناك من يرى ان إسرائيل هي الحاضر الغائب في عملية الانتخابات الفلسطينية. فإسرائيل من ناحية تحاول الظهور بمظهر غير المهتم بالانتخابات الفلسطينية، ومن ناحية أخرى فهي تتابعها استخبارياً واعلامياً، وتقوم إسرائيل بدراسة كل التفاصيل المتعلقة بالانتخابات الفلسطينية، مثل توجهات الناخبين والمرشحين، ومواقف الدول الداعمة للفلسطينيين، وقد تقرر إسرائيل لاحقاً طريق بالتدخل بطريقة أكثر "مباشرةً" في هذه الانتخابات، إذا ما رأت ان مسارات الانتخابات ستتعارض مع مصالحها.

حتى الان لم تعلق الحكومة الإسرائيلية على المرسوم الذي أصدره الرئيس محمود عباس بدعوة الفلسطينيين لانتخابات تشريعية، ولم يصدر عنها أي بيان رسمي بالخصوص، وهذا ما يضع علامات استفهام كثيرة حول التوجهات الاسرائيلية حيال الانتخابات الفلسطينية، خاصة وان الانتخابات الاسرائيلية ستجري بموعد يسبق الانتخابات الفلسطينية بنحو شهرين، وتتنافس في الانتخابات الإسرائيلية أحزاباً يغلب عليها الطابع اليميني، وتهدد بمنع الفلسطينيين من إجراء الانتخابات في القدس الشرقية باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

انعكس التخوف من عرقلة إسرائيل للانتخابات الفلسطينية المقبلة على شكل مواقف دولية عديدة، حيث دعا الاتحاد الأوروبي إسرائيل الى ضرورة تسهيل إجراء الانتخابات في أراضي السلطة الفلسطينية.

وتجد اسرائيل نفسها هذه المرة في موقف سياسي غير مريح، بعد مغادرة دونالد ترامب البيت الابيض وتولي جون بايدن الديمقراطي مكانه، حيث بات واضحاً أن الادارة الامريكية ستدعم بقوة إجراء الانتخابات الفلسطينية، وستمارس ضغطاً على إسرائيل لإجرائها في القدس الشرقية.  

هل مصلحة اسرائيل في إجراء الانتخابات؟
من المؤكد ان إسرائيل ليست حريصة على انهاء الانقسام وعوده الوحدة الفلسطينية، لأن من مصلحتها الاستراتيجية ديمومة الانقسام وإضعاف البيت الداخلي الفلسطيني، وتحويل الإنقسام إلى حالة سياسية راسخة،  وذلك من خلال إفشال الانتخابات أو عدم القبول بنتائجها، لكن في نفس الوقت اذا أرادت اسرائيل للانتخابات ان تجري فإنها تريدها على مقاسها، بمعنى انها ستضغط على أي حكومة فلسطينية للالتزام بالسلام والتفاوض مع إسرائيل، ورفض كل اشكال العنف ودعم التنسيق الأمني، وربما تطمح إسرائيل إلى أن تصبح حركة حماس أكثر براغماتية وتنخرط في قضايا السياسة والحكومة، وتغير من مواقفها وسياساتها بشأن الصراع مع إسرائيل، من خلال مشاركة الحركة في الانتخابات المقبلة في الانتخابات.

 هناك من يرى ان من مصلحة اسرائيل إجراء الانتخابات الفلسطينية، لأن هذه الانتخابات ستدعم الاستقرار السياسي للفلسطينيين، وتوجههم نحو المسارات السياسية البعيدة عن العنف، خاصة ان الانتخابات ستجري تحت سقف اتفاقات أوسلو، التي تنص على ان تكون هناك عملية سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وتمنع استخدام الكفاح المسلح ضد اسرائيل.

 ويرى بعض الكتاب والمحللين الاسرائيليين ان إجراء الانتخابات الفلسطينية ستكون فرصة ذهبية لإسرائيل، خاصة إذا ما شاركت حماس في هذه الانتخابات ورضيت الاحتكام الى الخيارات السلمية. وترى أوساط اسرائيلية انه ما دام الرئيس أبو مازن على رأس النظام السياسي الفلسطيني، فانه لن يسمح لأي فصيل فلسطيني بالقيام بأعمال عسكرية ضد أهداف إسرائيلية، وقد أكد أبو مازن في أكثر من مناسبة أنه يؤمن بالسلام مع إسرائيل، وبحل الدولتين، وأنه يرفض استخدام القوة العسكرية في حسم الصراع مع إسرائيل، وهذا ما يعطي اسرائيل مؤشرات مطمئنة.

لكن تكمن المخاوف لدى الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في عدم قدرة أبو مازن على السيطرة على توجهات الفصائل الفلسطينية، خاصة حركة حماس، التي تمتلك ترسانة أسلحة وعدد من المقاتلين يتجاوز الثلاثين الفا.

 في الجانب الآخر، هناك من يرى أن الانتخابات الفلسطينية لا تصب في صالح إسرائيل، اذ انها تعزز القوة السياسية للفلسطينيين، وتمنحهم القدرة على المطالبة بحقوقهم السياسية أمام المجتمع الدولي، وأن إجراء الانتخابات سينهي مبررات الانقسام الفلسطيني، الذي كان يتخذه الكثير من الأطراف ذريعةً لمنع تقديم أي دعم سياسي للفلسطينيين. كما ان الانتخابات ستشكل مصدر قوة في توحيد الفلسطينيين وترتيب بيتهم الداخلي، والخروج من الصراعات الداخلية، والتركيز أكثر على مواجهة المخططات والاجراءات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية، خاصة إذا ما قادت الانتخابات الى إعادة اصلاح منظمة التحرير وبناء المجلس الوطني الفلسطيني.

التشكيك الإسرائيلي في الانتخابات
تحاول إسرائيل إضعاف الجبهة الفلسطينية الداخلية من خلال خلق حالة من التشويش والارباك في الساحة الفلسطينية، واظهار ان الفلسطينيين جزء من منظومة الشرق الاوسط العاجزة عن إقامة نظاماً ديمقراطياً، فضلاً عن خلق حالة من التشكيك في نوايا الفرقاء الفلسطينيين، وأهدافهم من المشاركة في الانتخابات المقبلة.

تركز الكثير من الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، خاصة الموجهة من قبل الأجهزة الأمنية، على أن الرئيس عباس يخشى إجراء انتخابات، ولا يشعر بالحاجة لأن يحظى من خلالها بالشرعية في نظر مواطنيه وفي نظر العالم. ويحاول عدد من المحللين الاسرائيليين ان يعززوا فكرة ان الرئيس ابو مازن ليس ذاهباً الى الانتخابات طوعاً، بل لكسب مساندة الرئيس بايدن من أجل إستعادة الدعم السياسي من الادارة الامريكية والدعم الاقتصادي من الاتحاد الاوروبي. وذكرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ان الرئيس عباس تلقى رسائل حاسمة من إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي بأن السلطة الفلسطينية لن تتلقى أي مساعدة مالية دون إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية أولاً.

هناك تشكيك إسرائيلي أيضاً برغبة حركة حماس في المشاركة في الانتخابات، من خلال إظهار انها وافقت تحت ضغوط من دول تربطها بها علاقة جيدة، مثل قطر وتركيا وروسيا، وان حركة حماس تسعى من خلال مشاركتها في الانتخابات المقبلة الى فرض سيطرتها في الضفة الغربية، والتمهيد أمام نفوذ إيراني في المنطقة.
ويشير الكثير من المحللين الاسرائيليين الى ان أبو مازن قرر إجراء الانتخابات التشريعية وفصلها عن الانتخابات الرئاسية حتى يتمكن من إبقاء سيطرته على مفاصل النظام السياسي، وتعزيز قدرته على الاستمرار والتحكم بمجريات الانتخابات المقبلة.

تخوف من النتائج
لدى إسرائيل تخوفات كثيرة من نتائج الانتخابات الفلسطينية المقبلة، أولها إحتمالية تصدر حركة حماس المشهد السياسي، وبالتالي قد تضطر الكثير من الدول التي رفضت التعاطي مع حركة حماس في انتخابات عام 2006، على ان تعيد فتح العلاقات معها مرة أخرى. كما تخشى إسرائيل إذا فازت حماس فإنها قد تفرض أجندة سياسية تتعارض مع ما قامت علية السلطة الفلسطينية من اتفاقات سلام وتنسيق أمنى، كما ان فوز حماس سيعزز نهج المقاومة ضد إسرائيل بأشكال مختلفة، من خلال وجودها في مفاصل الحكم.

لذلك هناك تزايد في الأصوات الإسرائيلية المطالبة بمنع حركة حماس من المشاركة في الانتخابات بزعم أنها تشكل تهديداً لإسرائيل، واعتبار مشاركتها محظورة بموجب اتفاقيات أوسلو، وقد توضح لنا هذه المعطيات معالم أولية للخارطة السياسية التي ستتشكل في اسرائيل بعد اجراء انتخاباتها البرلمانية في آذار/ مارس القادم. ان احتمالات فوز حركة حماس أو تراجع حركة فتح، ستعني ان المسيرة السياسية التي وافقت عليها اسرائيل ومنظمة التحرير قبل نحو ربع قرن ستكون عرضة لخطر كبير، وسيضع اسرائيل أمام امتحان صعب.

تصل المخاوف الإسرائيلية إلى أن احتمالية فوز حماس في الانتخابات القادمة سيعزز قوة إيران ونفوذها في المنطقة، لذلك فان بعض دول الاقليم ترى بأن الانتخابات ليست شأناً فلسطينياً داخلياً، بل هي شأن إسرائيلي- إقليمي، وربما دولي!

لذلك فان المؤسسة الأمنية الاسرائيلية تضع في حسبانها الكثير من المخاطر المحتملة أمام تغير الواقع السياسي في المنطقة وتجهز نفسها من أجل اتخاذ إجراءات تمنع من الاخلال بالوقائع التي فرضتها اسرائيل خلال العقود الأخيرة، خاصة فرض سيطرتها على الضفة الغربية وفتح علاقاتها مع الدول العربية. ولهذا الغرض بدأت السلطات الإسرائيلية بالضفة الغربية حملة تهديد لعدد من المرشحين المحتملين للانتخابات التشريعية، ممن قد يترشحون على قوائم حماس، وليس مستبعداً ان تقوم بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الحركة بهدف اضعافها والتأثير على مجرى الانتخابات. من الراجح أن اسرائيل لن تعرقل الانتخابات الفلسطينية، ما دامت القوى السياسية الفلسطينية المنخرطة بالانتخابات تتحرك تحت سقف إتفاق أوسلو والتزاماته السياسية والأمنية.

أهمية القدس في الانتخابات القادمة
لا يستبعد كثير من الفلسطينيين ان تقوم اسرائيل بعرقلة الانتخابات الفلسطينية، من خلال طرق ووسائل متعددة، في مقدمتها منع اجرائها في القدس الشرقية، تحت ذريعة ان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ولا مكان لأي نشاط سياسي فلسطيني فيها، فضلاً عن قيامها بنشاطات ضد المرشحين سواء في القدس او الضفة الغربية. لذلك فأن السلطة الفلسطينية طالبت المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل ومنعها من وضع عراقيل أمام الانتخابات.

تشكل القدس العامل الرئيس في الانتخابات، حيث تجمع القوى السياسية الفلسطينية على انه لا يمكن اجراء الانتخابات بدونها، لذلك فان الانتخابات ستكون أمام تحدي كبير، خاصة إذا ما أصرت إسرائيل على رفض اجرائها في مدينة القدس. وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد فرضت قيوداً على قيادات سياسية في القدس، حيث منعتهم من أي نشاط سياسي او التواصل مع المواطنين فيما يخص عملية الانتخابات، كما منعتهم من الذهاب للضفة الغربية، معظم هؤلاء قريبين من حركة حماس.

ويذكر موقع "مكور ريشون" الاسرائيلي أنّ "شرق القدس" والخارج ربما سيكون الساحة الأكثر إرباكًا، خاصة بسبب غياب السيطرة الإسرائيلية، على عكس الضفة الغربية، حيث لدى المؤسسة الأمنية هناك سيطرة إستخبارية واسعة، معتبرًا أنّ قطاع غزة يعتبر التهديد الأكبر على إسرائيل من حيث إطلاق القذائف الصاروخية. من هنا فان القدس ستكون محل صراع حاد، سواء على صعيد الانتخابات الاسرائيلية او نظيرتها الفلسطينية، لكن بات واضحا ان الاصرار الفلسطيني على اجرائها في المدينة المقدسة، مدعوماً بمواقف دولية وإقليمية، يرجح كفة تراجع اسرائيل عن عنادها في منع فلسطيني القدس من ممارسة حقهم في الانتخاب.