تزايد حوادث الاغتيال في سوريا: سياسة ممنهجة أم صراع مصالح

عمليات الاغتيال هي عمليات ترافق أي حرب أو تَعقُبها، وتزداد في ظل الفوضى الأمنية التي يعيشها أي بلد، وغالباً ما تحدث ضمن إطار أهداف تصفية الخصوم، أو التخلص من المنافسين الفاعلين على الساحة، أو استغلال الفوضى الأمنية بقصد السرقة، ومن الصعب في أغلب الأحيان معرفة الجهة التي تقف وراء تلك الاغتيالات، وخاصة أنه لا تقف خلفها جهة واحدة في أغلب الأحيان، بل هي جهات متعددة، وذلك بحسب الشخص المستهدف، وهذه المعطيات تنطبق على الساحة السورية التي تداخلت بها المصالح وتعددت، وتقاطعت في أحيانٍ أُخر، بالإضافة إلى الأيديولوجيات المختلفة لكل طرف، ولم تنج أي منطقة في سوريا من شبح الاغتيالات، سواء كان المسيطر على المنطقة قوات النظام أم المعارضة أم قوات سوريا الديمقراطية، وحتى المناطق التي سيطرت عليها الفصائل الراديكالية نفسها.

استهدفت عمليات الاغتيال في البداية الشخصيات المؤثرة في الحراك الثوري، وكان المتهم الأساسي بها قوات النظام أو الموالين له، ثم مع ظهور بعض الفصائل الراديكالية كداعش والنصرة، قامت تلك الفصائل بالعديد من عمليات الاغتيال بحق كل من يمكن أن يشكل تهديد لانتشار فكرها وسيطرتها، وخاصة الصحفيين والعاملين بالمنظمات الإنسانية، سواء في داخل سوريا أو خارجها، وبذلك تحولت سياسة الاغتيال وتصفية الخصوم أشبه بسياسة تتبعها أطراف الصراع السوري.

أدت أجهزة المخابرات التابعة لبعض الدول، وكذلك المعدات التقنية الحديثة التي كان يتم تزويد بعض قيادات الفصائل السورية بها، دوراً مهماً في تسهيل عملية اغتيال تلك القيادات، فضلاً عن وجود عملاء لتلك المخابرات كانوا ملازمين لتلك الشخصيات التي تمت تصفيتها، كعمليات اغتيال عبد القادر الصالح أو زهران علوش أو قادة أحرار الشام.

نالت محافظة درعا النصيب الأكبر من عمليات الاغتيال، وكان السيناريو الذي حدث فيها مشابه لكل المناطق السورية، بداية من اغتيال الناشطين المعارضين، ثم اغتيالات متبادلة مع ظهور الفصائل الراديكالية، إلا أنها أخذت طابع آخر مع استعادة النظام السيطرة عليها، حيث بدأت بعمليات اغتيال لكل من رفض التسوية والمصالحة من قيادات المعارضة الذين فضلوا البقاء في مناطقهم، وخاصة أن المحافظة يوجد بها أشبه بحدود وهمية بين مناطق أجرت تسويات مع النظام، ومناطق احتفظت باستقلاليتها في إدارة أمورها مع احتفاظها بسلاحها الخفيف والمتوسط، وتم تسجيل 38 محاولة اغتيال في شهر واحد، هو شهر أيلول 2018، وأغلب عمليات الاغتيال كان تستهدف في البداية المعارضين، ثم بدأت تأخذ منحى جديد باستهداف شخصيات مدنية متعاونة مع النظام أو ضباط في جيش النظام، أو رجال المصالحات الذين أصبحوا ضمن الفيلق السادس التابع للنظام بعد إجراء التسوية، كذلك تم استهداف الكثير من المتعاونين مع حزب الله اللبناني في المنطقة.

هذا كله يعني تعدد الجهات التي تقوم بتلك العمليات، فهناك جهات عديدة تريد خلط الأوراق في تلك المحافظة، وخاصة الإيرانيين وحزب الله، لأن الاتفاقات الإسرائيلية- الروسية كانت تضمن منع أي تواجد لحزب الله والإيرانيين في المنطقة، ولهذا تريد تلك الجهات خلط الأمور، وتريد زيادة الفوضى في المنطقة، والإثبات أن الروس واتفاقات المصالحة والتسوية غير كافية لضمان الأمن في المنطقة، وأنه لابد من السيطرة العسكرية المباشرة على المنطقة، وخاصة أنه تم استهداف الكثير من الشخصيات التي تعيق تمدد وسيطرة الإيرانيين على المنطقة، بينما يحاول الروس إثبات أنهم قادرين على ضبط الأمور في المنطقة، وأن سياستهم ناجحة إلى حد كبير.

كان من اللافت ظهور تشكيلين تحت مسمى "المقاومة الشعبية" و " سرايا الجنوب" في أواخر 2018 ومطلع 2019، وأعلنا مسؤوليتهما عن العديد من عمليات الاغتيال التي استهدفت موالين للنظام وإيران في المنطقة، وهددا بالقيام بعمليات أخرى، وهذا يعني -في حال هذين التشكيلين يملكان القدرة- نقل العمليات لمرحلة حرب العصابات، والقيام بالعمليات ثم الاختفاء، وإخفاء أي أثر.

أما في مناطق سيطرة المعارضة فلا تختلف الأمور كثيراً، سوى أن عمليات الاغتيال كانت بالفترة الأخيرة هي عبارة عن تصفيات بين الفصائل، وخاصة من طرف الفصائل المتشددة كالنصرة وداعش، وزادت بشكل كبير في الفترة التي تسبق سيطرة تلك الجماعات على منطقة معينة، وخاصة بإدلب قبل أن تتمكن هيئة تحرير الشام من السيطرة على المحافظة، وهذا يعني أن كثيراً من عمليات الاغتيال كانت هي من تقف خلفها، كذلك جرت عمليات اغتيال كثيرة بين الفصائل الراديكالية نفسها (داعش والنصرة) حيث تبنت داعش العديد من عمليات الاغتيال التي استهدفت النصرة.

أما بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة الأخرى وخاصة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، فجرت العديد من عمليات الاغتيال ووقف خلفها بشكل أساسي خلايا داعش النائمة، أو عناصر تابعين لتنظيم PKK/PYD، أو جرت نتيجة الصراع بين الفصائل المختلفة، وتبنت داعش بعض تلك العمليات، كذلك تم إنشاء غرفة عمليات "غضب الزيتون" تتبع لتنظيم الـ PKK، وتبنت هذه الجهة العديد من عمليات الاغتيال، وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة في تلك المناطق لكنها لم تستطع الحد من تلك العمليات حتى الآن.

أما في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية فالاغتيالات في المنطقة يقف خلفها قسم منها تنظيم داعش، حيث تستهدف العناصر الموالية لقوات سوريا الديمقراطية سواء كانت مدنية أو عسكرية، أو قامت بها تلك القوات نفسها لتصفية بعض الشخصيات المؤثرة في المنطقة والتي تعارض توجداهم فيها، وخاصة وجهاء القبائل العربية، أو كانت نتيجة التنافس الروسي- الإيراني في المنطقة، حيث يحاول كل طرف تمكين حلفاءه في المنطقة من السيطرة الكلية عليها، لذلك يعمد إلى تصفية القيادات الموالية للطرف الأخر.

أما في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري فالاغتيالات يمكن تصنيفها لنوعين: اغتيالات تستهدف عناصر النظام والموالين له، وتبنت القسم الأكبر منها "سرية أبو عمارة" وخاصة الاغتيالات التي جرت في حلب ودمشق وحمص، كذلك تبنى بعض العمليات " سرايا قاسيون" وهو تشكيل لم يُعرف الكثير عنه بعد، وتبنى بعض عمليات الاغتيال في دمشق. والنوع الثاني هو الاغتيالات التي تجري بين الفصائل الموالية للنظام لكنها تتبع لإيران أو روسيا، حيث تجري بعض عمليات الاغتيال فيما بينها، وذلك للتخلص من بعض الشخصيات التي شكلت أو تشكل تهديداً لنفوذهما.

نوع آخر من الاغتيالات يجري في سوريا هو عمليات الاغتيال التي تستهدف الضباط الإيرانيين العاملين في سوريا سواء كمستشارين عسكريين أو كعسكريين في ميادين المعارك، قسم من هذه العمليات قام بها المعارضون السوريون حيث تمكنوا من تصفية العديد من هؤلاء.

بالإضافة إلى إسرائيل التي قامت باغتيال العديد من الضباط الإيرانيين من خلال استهدافهم بعمليات قصف جوي، وخاصة الضباط الذين يقومون بمهمة التنسيق مع حزب الله اللبناني والنظام السوري، لكن في الآونة الأخيرة جرت بعض عمليات الاغتيال والتي من المرجح أنه يقف خلفها جهات ترغب بتصفية الوجود الإيراني في سوريا، ويبدو أن الأصابع الروسية والموالين لها لهم يد ببعض تلك الاغتيالات، وكان آخر عمليات الاغتيال التي استهدفت إيرانيين اغتيال فرهاد دبيريان يوم 6 أذار 2020 في حي السيدة زينب بدمشق، وهو شخص ذو أهمية كبيرة للنفوذ الإيراني بسوريا، ولم تُعرف الجهة التي قامت باغتياله.

أما بالنسبة لعمليات الاغتيال التي استهدفت الجنود الروس فهي الأقل مقارنة ببقية الأطراف، باستثناء هجوم تعرضت له القوات الروسية في درعا، وكانت تقف خلفه الميلشيات الإيرانية، ولم يلحق أي ضرر بالجنود الروس، لم تحدث أي عمليات اغتيال أخرى ضدهم.

أما بالنسبة لأهم الأدوات التي تستخدم في علميات الاغتيال، يأتي في مقدمتها الأسلحة الخفيفة، وخاصة التي تستخدم كواتم الصوت، وكذلك العبوات الناسفة وهي الأكثر استخداماً، سواءً المزروعة على جوانب الطرقات وتنفجر لحظة عبور الهدف، أو العبوات اللاصقة والتي يتم لصقها بالسيارة المستهدفة ويتم تفجيرها عن بعد أو بمؤقت، كذلك كان هناك الاختطاف ثم القتل وإلقاء الجثة في موقع قريب من مكان الخطف.

ازدياد عمليات الاغتيال يشير إلى الفوضى الأمنية في كل المناطق، بالإضافة إلى الفشل في تطوير الأدوات التي بإمكانها الحد من تلك العمليات، بالإضافة إلى حرب الاغتيالات الهادئة والتي هي بالأساس حرب سلطة تهدف للوصول للمناصب، وإحكام السيطرة على بعض المناطق، وأكثر الشخصيات المعرضة للاغتيال هم القادة العسكريون (من الصف الأول والثاني) والإعلاميون.

بعض عمليات الاغتيال يمكن ربطها بالتنافس الروسي- الإيراني على المصالح في سوريا، وكلما اقتربت نهاية الأزمة بسوريا سوف تزداد عمليات الاغتيال، والتي من الممكن أن تستهدف شخصيات مؤثرة أكثر، وكل طرف سيحاول تصفية من يعتبره خطراً على مصالحه في سوريا في المستقبل، وفيما يبدو أصبحت الاغتيالات سياسة ممنهجة لبعض الأطراف صاحبة المصالح في سوريا.

يبدو أن الاغتيالات يقوم بها أكثر من طرف، ولا تتحمل مسؤوليتها جهة واحدة، وتهدف أغلبها لخلط الأوراق وإحداث فراغ كبير، وتنفيذ أجندات سياسية لصالح بعض أجهزة المخابرات.