في ظل دوامة الاستفتاء... ماذا يجري في كركوك؟

بعد قرار استفتاء الانفصال عن العراق الذي صدر من رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، اصدر محافظ كركوك الكردي نجم الدين كريم تعليمات الى اعضاء مجلس محافظة كركوك الاكراد بالتصويت على رفع علم اقليم كردستان على المباني الرسمية في كركوك والتصويت على الاستفتاء ولكن تلك القرارات ادت الى رفع مستوى التوتر بين المكونات في تلك المدينة .زادت تلك التوترات خاصة في ليلة 18 ايلول 2017  عند تعرض المقر الرئيسي للحركة القومية التركمانية والمقر العام للجبهة التركمانية العراقية وفروعها الى هجمات مسلحة من قبل الاكراد في كركوك. وفي مقابل ذلك قام حراس المقر بالرد على المهاجمين وحدث اصطدام مسلح بين الطرفين، قتل من جرائه شخص واحد وجرح 3 من المهاجمين. وكنتيجة لتلك الاحداث اعلن عن فرض حظر التجوال في كركوك بصور مؤقتة، ولكن على الرغم من حظر التجوال استمرت حالة التوتر في المدينة. في هذه المرحلة يلعب الاكراد دورا بارزا في حدوث تلك التوترات بقياميهم بخطوات تصعيدية من شانها التوسيع من دائرة الصراع في المدينة. اضافة الى مهاجمة الاكراد على مقرات التركمان ليلة 18 ايلول 2017 قامت الاحزاب الكردية في يوم 19 ايلول 2017 بتجمع كبير في قلعة كركوك دعما للاستفتاء مستخدمين شعار "نعم للاستفتاء ". ومع اقتراب فترة الاستفتاء المزمع إجراؤه في اقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها  في 25 من هذا الشهر فان تلك التطورات تصعد من حدوث الصراعات والتوترات في كركوك.

حيث ان التطورات المحلية والدولية والاقليمية من شانها زيادة الضغط على كركوك، من جانب ان تركيا وايران من المعارضين للاستفتاء في اقليم كردستان، ومن جانب اخر على الرغم من الاقتراحات البديلة للاستفتاء المطروحة لمسعود البارزاني من قبل امريكا وبريطانيا والأمم المتحدة الا انه لم يقبل تلك البدائل واستمر في قرار إجراء الاستفتاء في وقته المحدد.الامر الذي ادى الى تدخل الحكومة المركزية وصدور قرار من البرلمان العراقي والمحكمة الاتحادية العراقية بعدم قبول الاستفتاء او حتى الاعتراف به.وضمن هذا السياق قام نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في يوم 18 ايلول بزيارة الى كركوك زار خلاله مقر لواء الحشد التركماني. واكد المهندس خلال الزيارة على دعم التركمان في المدينة. في نفس التاريخ قامت تركيا بمناورات عسكرية بالقرب من معبر الخابور على الحدود التركية العراقية كما قصفت خلالها  مواضع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق .

يمكن القول ان العراق شهد في الفترة الاخيرة تطورات كبيرة ومتسارعة، هذا اضافة الى القرارات المهمة  التي سوف تصدر من اجتماع مجلس الامن القومي التركي في 22 ايلول من هذا الشهر. ومع كل هذا من المرجح بداية العملية العسكرية في 23 ايلول ضد داعش في قضاء الحويجة والتي يمكن أن تزيد من ديناميات الصراع في كركوك.ان وجود قوات اضافية من البيشمركة في كركوك واطرافها، في نفس الوقت توجد قوات كبيرة من الحشد الشعبي والقوات العراقية في كركوك من اجل وضع التحضيرات والاستعدادات للعمليات العسكرية في الحويجة. في ظل كل هذه التطورات وجود تلك التحشدات العسكرية من عدة اطراف في المدينة تضع احتمال حدوث مواجهات مسلحة بين تلك الاطراف في كركوك. ومن جانب اخر فان استمرار تلك الاحداث في كركوك يعرقل من العمليات العسكرية في الحويجة مما تستغل المنظمات الارهابية وعلى راسها  داعش وحزب العمال الكردستاني تلك الظروف في الانتشار في المدينة.

في هذا الموضوع ان الجهات الإقليمية والعالمية على حد سواء تشعر بالقلق من تأثر عمليات محاربة داعش من هذه الاحداث التي مضىت عليها 3 سنوات. لذلك من الممكن القول إن مسألة كركوك أصبحت قضية عابرة للحدود واخذت طابعا دوليا. من خلال هذه التطورات ان موضوع كركوك لم يقتصر على الداخل العراقي فقط وانما انتشرت مسألة كركوك على نطاق كبير. فان في حالة  حدوث صراعات عرقية بين مكونات كركوك منها العرب والتركمان والاكراد فان ذلك الصراع لا يقتصر على كركوك فقط وانما سينتشر في بقية مناطق العراق وبعدها يتوسع  للمنطقة بشكل كبير.

وهناك جهات اقليمية فعالة في كركوك تحاول كل منها الحصول مكتسبات في المدينة. وبشأن تؤثر الديناميات الداخلية الموجودة في كركوك، فانه باستطاعة الجهات الفاعلة و الناشطة على الصعيد الإقليمي أن يفرقوا ويضاعفوا من الصراعات والتوترات في كركوك، ولكن هذا الوضع لن يكون في مصلحة اي طرف في المنطقة. وان خطر الصراعات المسلحة في المنطقة سوف يؤثر بشكل كبيرعلى اقليم كردستان ،في حالة عدم تراجع مسعود البارزاني عن قرار إجراء الاستفتاء فان ذلك سوف يضر بالمكتسبات التي حصل عليها الاكراد خلال السنوات الماضية. في حالة استمرار حالة عدم الاستقرار والخلافات في السياسة الداخلية في اقليم كردستان فان ذلك يؤدي الى مخاطر تحويل احلام مسعود البارزاني الى كابوس. لذلك على مسعود البارزاني واكراد العراق ان يتحكموا بالعقل السليم وان يتصرفوا بشكل اكثر عقلانية وان لا يسوقوا الاقليم الى الهاوية وان يحافظوا على المكتسبات لان ذلك سوف يكون من مصلحة المنطقة  ككل.