قراءة أولية للإنتخابات التّشريعية في تونس 2019

شارك  امس الأحد أكثر من 7 ملايين تونسي في الانتخابات التّشريعية، وجرت هذه الانتخابات بين دورتين

رئاسيتين. تنافس فيها أكثر من 1500 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة بأكثر 150 ألف مرشّح، على 617 مقعدا في البرلمان؛ ما قد عززّت فرضية إفراز برلمان متنّوع الكتل وبتمثيل صغير (فسيفسائي)، كما أعلنت الهيئة العليا للإنتخابات على عدم إعلانها عن النّتائج النّهائية إلى يوم التّاسع من تشرين الأول/أكتوبر، كما أعلنت أيضا على نسبة المشاركة و التّي قودرّت بنسبة 41,16  في المائة.

 لكن وكالة SIGMA سيغما كونساي لسبر الأراء لم تتباطئ على إعطاء نتائج تقديرية ليلة الأحد على حصول حزب حركة النّهضة على أغلبية الأصوات في البرلمان القادم وفقا لنتائج أولية في توزيع عدد المقاعد :

حزب حركة النّهضة : 40 مقعد

 حزب قلب تونس : 33 مقعد

حزب إئتلاف الكرامة : 18  مقعد

حزب تحيا تونس : 16 مقعد

حزب حركة الشّعب : 15 مقعد

الحزب الدّستوري الحر : الحر: 14 مقعد

حزب التّيار الديمو قراطي : 14 مقعد

عيش تونس: 5 مقاعد

حزب البديل : 3 مقاعد

حزب حركة نداء تونس : 1 معقد  

أتت الانتخابات التّشريعية التّونسية بعد ثلاثة أسابيع من الدّورة الأولى للإنتخابات الرّئاسية التّي كانت بمثابة "زلزال انتخابي" أو "تونسيامي" سياسيي، فقد نتج عنها تأهل كل من أستاذ القانون الدّستوري الدّكتور قيس سعيّد المستقل، ورجل الإعلام و الأعمال السّيد نبيل القروي الموقوف بتهم تبييض أموال وتهرب ضريبي إلى الدّورة الثّانية.

الشّيئ الملاحظ كان انبعاث حزب حركة النّهضة ذو المرجعية الإسلامية الوسطية في هذا الإستحقاق الانتخابي الهام؛ بعد أن فشل مرشحه إلى الّرئاسة الشّيخ عبد الفتاح مورو في التّأهل إلى الدّورة الثّانية. بالرّغم من شبه هزيمة الشّيخ مورو في الرئاسية تقدم رئيس الحزب الشّيخ راشد الغنوشي للمرة الأولى منذ ثورة الياسمين لعام 2011 على قائمة الدّائرة الأولى في ولاية تونس في خطوة قد تمكّنه من ترأس البرلمان المنتخب القادم.

وقد دعا سابقا الشّيخ راشد الغنوشي في اجتماع شعبي في حملة حزبه الإنتخابية نهاية الأسبوع الماضي بمدينة صفاقس (جنوب) البلاد إلى عدم التّصويت للّوائح المستقلة - لأن التّصويت لها تصويتا للفوضى. حسب قوله؛ وخلال مؤتمر صحفي مساء الأحد ،أشار الشّيخ الغنوشي إلى أن تونس مقبلة على تحد إقتصادي و إجتماعي يمثّل فيه محاربة الفساد و الفقر و تطوير مؤسسات الدّولة .

ولم يتمكن حزب حركة "نداء تونس"، غريم حزب حركة "النّهضة" والفائز بانتخابات 2014 من الحفاظ على تماسكه والقوة التّي ظهر بها قبل خمس سنوات إثر أزمات داخلية على القيادة انتهت بتفكّكه. لكّنه قدم قوائم انتخابية في عدد من الولايات؛ كانت ناتئج الإنتخابات التشّريعة بماثبة فشلا ذريعا للحزب حيث حصل حزبه على مقعد واحد في البرلمان القادم.

أفاد حزب "تحيا تونس" الذي حصل على 16 مقعد، أسسّه رئيس الحكومة الحالي ا لسّيد يوسف الشّاهد وكان الخاسر الأكبر في الانتخابات  الرئاسية ل15 أيلول\سبتمبر، من تراجع "نداء تونس"، وألتحق به عدد من قيادات الحزب للرّهان على مقاعد البرلمان. كما حصل حزب قلب تونس على 33 مقعد، ومؤسّسه السّيد نبيل القروي، بحافز كبير مدعوما بترشّح رئيسه للدّورة الرّئاسية الثّانية في إطار ما عرف بتصويت "العقاب" ضد المنظومة الحاكمة وممثليها الذّين لم يقدموا حلولا اقتصادية واجتماعية ناجعة للتّونسيين. كما باتت قضية السّيد القروي تشكّل معضلة قانونية نادرة في المشهد السّياسي و الإستحقاقي العربي.

وأبرزت الإنتخابات النّيابية الثّانية في ظل التّعددية الحزبية لتونس الجديدة متنافسون جدد انطلقوا في نشاطهم السّياسي منذ شهور، أبرزهم جمعية "عيش تونسي" التي حصلت على 5 مقاعد؛ هي جمعية ثقافية مموّلة من المرشحة على قائمة ولاية بنزرت (شمال) ألفة تراس.

كما حظي "الحزب الدستوري الحر" المناهض للإسلاميين الذّي تحصلت قائمته على 14 مقعدا و التّي كانت تعوّل رئيسة الحزب السّيدة عبير موسي التّي أخذت أربعة في المئة من الأصوات في الدورة الرئاسية الأولى على هذه الإنتخابات التّشريعية.

طبعا قلبت وفاة الرّئيس الباجي قايد السّبسي كل الحسابات السّياسية للأحزاب وأصبحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مقيّدة بتطبيق بنود الدّستور التّي تنص على إنجاز الانتخابات في مدّة لا تزيد عن 90 يوما.

ويرى مراقبون أن توجه التّصويت ضد المنظومة الحاكمة تواصل في التشريعية، وخرج حزب "قلب تونس" المستفيد الأكبر منه؛ كما تدارك حزب حركة النّهضة تراجعه والحفاظ على أقصى ما يمكن من المقاعد في البرلمان، ما يمنحه أريحية المشاركة في القرار السّياسي في البلاد، حيث يتولى الحزب الفائز بأكبر مقاعد البرلمان تقديم تشكيلة للحكومة في مدة زمنية لا تتجاوز الشّهرين على أن يصادق عليها البرلمان بأغلبية 109 من الأصوات.

لكن ومع تقدم العديد من الأحزاب للانتخابات النّيابية، من المتوقّع أن يكون الحزب الفائز مدعوا للتّوافق مع أطراف أخرى ليتمكن من تحصيل الأغلبية. وإن فشل في ذلك، يقترح رئيس الدّولة المنتخب رئيس حكومة ويكلّفه بتشكيل حكومته وعرضها أمام البرلمان.

وبالرّغم من التّوافق الذّي حصل بين حزبي "نداء تونس" و حزب حركة "النهضة" الفائزين بأكبر المقاعد في الانتخابات البرلمانية لعام 2014، لم يتمكّن رئيس الحكومة آنذاك السّيد الحبيب الصّيد من تحصيل الأغلبية البرلمانية على حكومته في المرة الأولى واضطر إلى تغييرها وعرضها للمرّة الثّانية على التّصويت أمام البرلمان.

"المعركة الآن مع دولة العصابات، إلاّ حزب حركة النّهضة قادرة على مواجهتها أمّا الباقي فنخشى تشتّت الأصوات ثم تكوّن برلمان لصوص ومرتزقة مثل البرلمان السّابق فيجهض عمل الرئيس الجديد..." حسب الأستاذ محمّد هنيد، أستاذ العلاقات الدّولية بجامعة السوربون، باريس و مدير مركز الدّراسات العربية و التّطوير بباريس.

فاجأت الانتخابات التّونسية الأوساط السّياسية والمُراقبين في الدّاخل والخارج بنتائجها التّي تصدَّرت الجولة الأولى من الانتخابات الرّئاسية -- المُفاجأة الأكثر أهمية هي تدني نسبة الاقتراع في بلدٍ يُعتَبر الأكثر تعافياً في سُلَّم الديمقراطية بين الدول العربية كافة. وهو أمر مُحيِّر لأولئك الذين طالما قالوا إن ارتفاع منسوب الديمقراطية في المجتمعات يزيد من ارتفاع نسبة المشاركة السّياسية للجماهير، حيث يُتَرجَم ذلك بتزايُد عدد الأحزاب وارتفاع نسبة الاقتراع في الاستحقاقات الدّستورية.

في الحالة التّونسية حصل العكس تماماً. فنسبة الاقتراع انخفضت بكثير مُقارنة بنسبة 63 في المائة لعام

 2014. ولا يجد المحلّل تفسيراً سياسياً لها إلا بإحالة الأمر إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة نتيجة تواضُع أداء وبرامج القوى السّياسية المُتنافِسة و المتشتّتة، والتّي لم تقنع الناّخِب التّونسي بتوجّهاتها رغم التّرويج الإعلامي الهائل و المناضرات التليفزونية لممثلي القوائم الإنخابية من أحزاب و مترشحين أحرار.

فإنّ نسبة العزوف العالية تعود إلى فئة الشّباب الذّي لا يكفّ عن محاولات الهجرة غير الشّرعية إلى البلاد الأوروبية بحثاً عن حياة أفضل و مستقبل زاهر.

تمثّل الإنتخابات التّشريعية في تونس مرحلة انتقالية مفصلية في تاريخ البلاد فبعد انتخاب الأستاذ قيس سعيد في الدّورة الأولى للإنتخابات الرئاسية و احتمال مروره بنسبة 90 في المائة في الدّور الثّاني المقرّر إجرائه يوم الأحد المقبل.

تبقى الإنتخابات التّشريعية هي التّي ستحدّد مصير المنطقة و مصير الدّولة العميقة والثّورة المضادة بقى لها سوى مجال البرلمان لكي تسطيع التّحكم في زمام الإمور داخل الدّولة و داخل مقاليد الحكم لذلك فإنّها تدفع بكل قوة حتى لا تخسر المرحلة القادمة من أجل استرجاع المجال الحيوي الذّي خسرته خلال الثّورة التّونسية،

خسر الإسلاميون جزءا كبيرا من رصيدهم و خزانهم الإنتخابي ككتلة متاكملة ومتاجنسة، لكنّهم عادوا إلى المشهد من باب البرلمان بعد خسارة الّرئاسة لكن المسألة لن تكون سهلة بالنّسبة إليهم.

ااما التّيار الثّوري فهو تيار مخترق وليس مأمون العواقب لأنه في مرحلة موالية أو ما يسمى بالسّياحة الحزبية أو الإنتقال و بيع المقاعد من هذا الحزب إلى ذلك الحزب لذا يكون دعم الإسلاميين الفرصة الأخيرة للخروج من هذا المأزق، هذا دائما حسب الأستاذ محمّد هنيد.

لا يمكن مطلق التنبؤ بتركيبة البرلمان الجديد لأنّها ستؤدي حتما إلى لوحة فسيفساء منتخبة ستفرض على كل مجموعات التّكتل وفق أجندة معينة و هذا قد يؤدي إلى وضع سيئ بالنّسبة لتونس وديمقراطيتها النّاشئة بسبب قد ينتج عنه ازامات و حكومات غير مستقرة تسقط الواحدة تلو الأخرة و هذا ما يريد تفاده النّاخب التّونسي، لأنّه لا يريد شبح النّموذج الإيطالي يطارد النّواب الجدد في قصر باردو - بل هو يريد كرامة وتنمية و تشغيل و محاربة الفقر و الفساد.