مسارات التطبيع العربي مع النظام السوري: بين تجاذبات المصالح الإقليمية والمخاوف الأمنية

تشهد المنطقة العربية حالياً تطورات سياسية وحراكاً دبلوماسياً مهماً يتعلق بالمسألة السورية، مما يثير العديد من التساؤلات، حول العوامل والأسباب التي تقف وراء هذه التسارع المفاجئ في تغيير مواقف العديد من دول المنطقة، بخصوص طبيعة العلاقة مع النظام السوري، وبشكل معاكس لما ساد خلال السنوات العشر الماضية.

ان انخراط النظام السوري في المسار الدبلوماسي العربي، وإعادته لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، وحضور بشار الأسد القمة العربية في جدة، أثار الكثير من الجدل والنقاش. حيث يعتقد البعض بوجود علاقة بين هذا التحول ومخاوف النظام السوري من قانون مكافحة "الكبتاجون" الأمريكي المنتظر سريانه في حزيران القادم، وتعزز هذا الجدل بعد قيام الطيران الحربي الأردني بعملية القصف الأخيرة لمواقع في جنوب سوريا، بحجة مكافحة تجارة المخدرات، وترى بعض التحليلات أن هذه التحركات قد تؤثر على نفوذ إيران على الحدود الجنوبية السورية، وفي سياق متصل، يتم تداول تحليلات تشير إلى أن الأنظمة العربية تقوم بجذب النظام السوري إلى ما يمكن وصفه بمصيدة، من خلال إعادته للانضمام إلى الجامعة العربية.

القمة العربية: مراوحة في المكان
 شكلت مشاركة الأسد في القمة العربية التي عقدت في 19 أيار 2023 في "جدة" السعودية، ذروة تطور الانفتاح العربي على النظام السوري حتى الان، واظهر بعض زعماء الدول العربية الترحيب بالأسد في القمة، بعد مقاطعته (علناً) على مدار سنوات، واعتبرت هذه المشاركة خطوة لإعادة دمج النظام السوري إقليمياً، على الرغم من الاعتراضات الغربية-الأمريكية على ذلك. وبالرغم من ذلك أظهرت هذه الخطوة ان الهوّة ماتزال كبيرة  بين الولايات المتحدة وبعض أقرب شركائها في الشرق الأوسط. حيث ذكر تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن الفجوة ماتزال كبيرة جداً بين جميع الأطراف الحاضرة، حتى ان الأسد ظهر محاولاً خلال خطابه في الجامعة الضغط على الجهات العربية لتخفيض مطالبها، التي تنتظر تنازلاً منه مقابل إعادته إلى محيطه العربي، و ان يُظهر المرونة والرغبة في قبول  تقديم تنازلات تفضي لحلحة في المسألة السورية، ولكن القمة شهدت تكراراً معتاداً في مضمونها ونتائجها، باستثناء بعض الأصوات التي نادت من بعيد بتطبيق القرار الأممي رقم “2254”، الذي ينص على حل سياسي في سوريا.

وعليه يبدو اننا سنشهد خلال الفترة المقبلة انطلاق مسارات سياسية ثنائية منفردة فيما يتعلق بالملف السوري، إذ لم يتبنَّ العرب، حتى اللحظة، مساراً "جماعياً" واضحاً لحل هذه الأزمة، وما زال من المستبعد أن يقدم النظام السوري تنازلات، قد تؤدي إلى نهاية وجوده.

ما يجري اليوم هو قيام بعض الدول العربية بالبحث عن مصالحها المنفردة، من خلال استئناف علاقتها مع النظام السوري، وحماية نفسها من شرور النظام وأذرع ايران في المنطقة، كالأردن والسعودية مثلًا في ملف تهريب المخدرات  وملف الحوثي في اليمن، وكجزء من الجهود الدبلوماسية التي تقودها المملكة العربية السعودية، تخطط الدول العربية لتنفيذ مبادرة تشجيع اللاجئين السوريين على العودة لبلدهم، وإقناع القوى الغربية بتخفيف العقوبات على النظام السوري، بحسب ما ورد بتقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية عقب قمة جدة، حيث ذكر التقرير ان هذه الخطة نوقشت على أعلى المستويات في الأمم المتحدة، مع بروز انقسامات داخلية بدت واضحة بشأن هذه الخطة، بسبب اعتمادها على ضمانات أمنية من دمشق، وإمكانية تشجيع الإعادة القسرية لبعض اللاجئين.

التنازلات بهدف التغيير وفق مفهوم النظام السوري وعقليته غير واردة، فهو يؤمن بـ”الحل الصفري” في المسألة السورية، وتبقى قضية تقديم التنازلات من جانب النظام السوري هي ما يمكن انتظاره بعد تبلور أسلوب تعاطي الزعماء العرب مع دمشق خلال الأشهر القليلة الماضية، وتبقى إمكانية إحداث تغيير جذري على الخارطة السياسية فيما يتعلق بسوريا أمر بعيد المنال بالنظر إلى المعطيات الحالية، خصوصاً أن حديث بشار الأسد خلال قمة جدة، تضمن مهاجمة دولاً أخرى، وتأكيدات بعدم وجود نوايا لإجراء أي تغيير او تقديم أي تنازلات.

عقيدة هذا النظام قائمة على ان تقديم أية تنازلات ستؤدي إلى زواله، وهو لم يقدم تنازلات حقيقية في العام 2015 وما قبل، عندما كان في أضعف حالاته من حيث السيطرة العسكرية على الأرض، فلماذا سيقدمها الآن؟

لطالما كانت استراتيجية النظام السوري، وما تزال، تعتمد على مبدأ المماطلة واللعب على الوقت، وإغراق الآخرين بالتفاصيل، ورغم أن "بشار الأسد" تحدث خلال كلمته التي ألقاها في قمة جدة عن مبدأ “العمل الجماعي العربي” فهو أبعد ما يكون عن هذا المفهوم، وبالتالي فإن الخطوات المقبلة تعتمد على مبادرات قد تُقدم عليها دول عربية منفردة، وعلى ما يبدو ستستمر المراوحة في المكان، ولن تظهر نتائج عملية إلى أن يحصل توافق إقليمي على حل كلي للمسألة السورية، ولا يزال هذا التوافق في طور  بطيء جداً، وغير واضح المعالم.

وهذا ما اشارت اليه “فاينانشال تايمز” في تقريرها، إذ نقلت عن دبلوماسيين عرب (لم تسمِّهم)، أنهم يناقشون خططهم مع القوى الغربية، لكنهم لن يضغطوا لتخفيف العقوبات حتى يروا تقدماً في الملف.

مبررات الانخراط في المسار الدبلوماسي العربي
يرى البعض أن انخراط النظام السوري في المسار الدبلوماسي العربي، هو نتيجة لمخاوفه من قانون مكافحة "الكبتاجون" الامريكي المنتظر سريانه حزيران 2023. وغالباً تعتمد هذه الفكرة على تخمينات ولا يمكن الجزم حولها، ولكن يمكن الخوض ببعض النقاط بشكل عام، والمؤكد هناك عوامل عديدة تؤثر على قرارات "النظام" السوري وفي الدول العربية في هذا الصدد، أما الجزم بأنه القلق بشأن قانون مكافحة "الكبتاجون" كعامل وحيد أو أساسي في هذه القرارات يُجانب الواقع في كثير من جوانبه.

ربما يكون الوضع معكوس، فالدول العربية هي التي أبدت رغبة بالانخراط مع النظام بهذا المسار، والنظام يتجاوب بناءً على ما يخدم مصالحه. وتطبيق قانون "الكبتاغون" يتطلب إرادة أمريكية جدية على إلزام الدول العربية الفاعلة للتعامل بصورة حاسمة مع النظام، وهذا الأمر غير ملموس وليس موجود حتى الان.

عندما نريد قياس أهمية المسألة السورية لدول المنطقة،  نجد أن تأثُر السعودية بهذه الأزمة ليست كتركيا مثلاً، فتركيا صاحبة الحدود الطويلة المباشرة مع سوريا، فضلاً عن وجود الفصائل المسلحة الكردية المناوئة للدولة التركية في شمال سوريا، ووجود ملايين اللاجئين السوريين في تركيا. اما السعودية ودول الخليج ومثلها الدول العربية في شمال افريقيا لا تتأثر بالمسألة السورية بشكل مباشر.

السعودية تريد التقرب من الصين والتفاهم مع إيران، وترى أن موازين القوى في المنطقة تتغير، وخاصة مع بروز لامبالاة أمريكية متزايدة تجاه الشرق الأوسط، ويقابل ذلك تصاعداً ملحوظ في الانخراط الصيني بالمنطقة، كما ان السعودية تريد حل الملفات العالقة على حدودها التي لم تساعدها الولايات المتحدة في حلها، كملف اليمن، الذي امتد لثمانية سنوات كحرب دون نتيجة، وأصبحت السعودية تتعرض لقصف الحوثيين في عمق أراضيها، وكذلك الحال بالنسبة للإمارات حليفة السعودية في هذه الحرب.

يبدو التقرب الخليجي من النظام السوري لانه بات أمر واقعاً بإرادة روسية - إيرانية، وصينية أيضاً، وهذه الخطوة الخليجية باتجاه سوريا تنسجم مع التقرب الخليجي من إيران والصين، ومع مراعاة تغير موازين القوى العالمية، ومع الابتعاد الأمريكي عن المنطقة، وعدم رغبة الولايات المتحدة ببذل اي جهد او كلفة للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط، رغم انها تملك القدرة على ذلك، ولكن الكلفة المطلوبة لا تكافئ المكاسب المنتظر تحقيقها بالنسبة لها. لذلك نرى السعودية والإمارات تخطو بخطوات شرقاً ، دون الخروج كلياً من العباءة الأمريكية، فهي تضع قدماً هنا وأخرى هناك.

بالرغم من ان الموقف الأمريكي الرسمي لا يدعم التطبيع مع النظام السوري ولا يشجع عليه، وان الولايات المتحدة لن تطبع مع هذا النظام ولن ترفع العقوبات عنه، ولكن الأمريكان لا يشعرون بأي تهديد مباشر لمصالحهم من التقارب العربي مع الأسد، بل ربما الولايات المتحدة تنظر لهذا التطبيع بأنه فرصة لجس النبض على مبدأ "دعم يجربوا وسنرى"، هل من الممكن تغيير سلوك هذا النظام بهذا التطبيع؟ ورغم ان الولايات المتحدة تراهن على انهيار هذا النظام اقتصادياً، ماتزال أمريكا والغرب تتعامل مع "التقارب العربي مع الأسد" وفق مصلحة تكتيكية، مرحلية، ولن يرفعوا العقوبات أبداً دون مقابل، لأنهم يرونها الأداة الوحيدة المتاحة بين أيديهم للضغط والتحكم بمسارات هذه الأزمة بأقل كلفة.

الولايات المتحدة لديها مطالب متعددة في المسألة السورية، أبسطها قضية الصحفي الأمريكي المعتقل لدى النظام مثلاً، والقلق من النفوذ الإيراني في سوريا، و الرغبة الأمريكية بأن يكون للمعارضة السورية دور مؤثر داخل تركيبة الحكم سوريا، لتكون السلطة غير متركزة في قبضة الأسد وحده، وهذا لا يعني إسقاطه، ولطالما كانت رهان الأمريكان على "تغيير سلوك النظام" دون العمل على اسقاطه. الأمريكان يسعون لإضعاف سطوة هذا النظام ليصبح أكثر "مطواعية" لهم، مع تحجيم نفوذ إيران في سوريا.

الدول العربية، وبخاصة الأردن والسعودية والإمارات، تريد ايقاف تدفق المخدرات التي تصلها من سوريا بكثافة، والأهم من ذلك التفاهم مع إيران بحثاً عن حالة من الهدوء والاستقرار في المنطقة، للتركيز على التنمية الاقتصادية. وهنا يعتبر البعض أن هذه الدول العربية تخضع للابتزاز "الإيراني - الأسدي"، وما يتم الآن هو التفاوض على الأثمان المتبادلة، لتحقيق الاستقرار المنشود في المنطقة.

النظام السوري يتصرف، كعادته، بنهج سياسي لا يعير أهمية للأخلاق، يعتمد على كسب الوقت لحين تغير الظروف والمصالح. بينما الدول العربية، خاصة الخليجية، تبقى سياستها قصيرة النفس. ولكن الوضع مختلف الآن، والنظام السوري ما زال مهدداً وإطالة الوقت ليس في صالحه.

يرى البعض المدافعين عن قرار جامعة الدول العربية المرقم 8914 في 7 أيار الحالي، الذي أعلن عن استئناف عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية، والمبادرة العربية حول هذا الشأن التي انطلقت في الاردن، بأنها خطوات تتماهى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2245 حول الأزمة السورية. ولكن القرار 2254 الذي حاز على اجماع دولي، وموافقة روسيا أيضاً، لم ينفذه نظام الأسد، فهل سيقوم هذا النظام بتنفيذ قرارات الجامعة العربية؟!  

تطورات المشهد في جنوب سوريا
يتسأل الكثيرين هل للعملية الأردنية الأخيرة جنوبي سوريا علاقة بالإرادة الامريكية في مكافحة المخدرات الإيرانية في المنطقة، وهل تؤثر هذه التحركات على النفوذ الإيراني جنوب سوريا؟

أغلب الآراء تقول لا، فما يجري وهو المرجح أن النظام السوري يمارس ألاعيبه التي يبرع بها، فقدم لهم تاجر المخدرات الذي استهدفته الغارة الجوية الأردنية "مرعي الرمثان"، وهو ورقة محترقة منذ العام الماضي، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال من دمشق، فتخلص منه النظام وأظهر نفسه كمتعاون، وسيظهر غيره، وتم استغلال هذه الورقة لمصلحة النظام، والعملية الأردنية كانت بتنسيق معه، وهدفه منها الظهور كمتعاون في مكافحة تجارة وتهريب المخدرات.

من المستحيل أن يقوم الأردن بهذا العمل العسكري دون تنسيق مع النظام السوري، لأن ردّ النظام سيكون زيادة الفوضى على الحدود مع الأردن، وهي حدود طويلة جداً، ولطالما كان الأردن يشكو لسنوات من تهريب المخدرات وبعض حالات تهريب للسلاح، ومن الممكن أن يتطور الأمر لتهريب واسع للسلاح بالإضافة لإرهابيين ويتحول الأمر لتهديد امني كبير، وهو ما أبدى الأردن تخوفه منه لأكثر من مرة ومناسبة.

لاشك ان أعمال تهريب المخدرات عبر الحدود السورية - الأردنية كانت مستمرة، وستستمر، وكذلك تهريب السلاح على نطاق ضيق، و لم يصل الأمر بعد الى خلق فوضى أمنية، فالنظام لا يسعى لاستفزاز الأردن إلى هذا المدى، فلا نية لديه للصراع مع الأردن، هو فقط يريد الاردن ممراً للمخدرات إلى دول الخليج، ولكن إذا ما أراد الأردن القيام بعمليات عسكرية ضد مصالحه ومصالح حلفائه الإيرانيين، عندها سيصعد النظام استهدافه للأردن، بالوسائل والأدوات الميليشياوية المتاحة له (طائرات مسيرة، تفجيرات إرهابية، ظهور مجاميع إرهابية وهمية –بشكل فجائي- داخل الأردن،...الخ).

ولكن ما الذي يمنع هذه الدول العربية المتضررة من سياسات نظام بشار من الاتفاق ضده بدلاً من التطبيع معه؟ مع الأسف عندما كانت الثورة السورية في مرحلة القوة والسيطرة على أغلب مناطق سوريا، أظهر تطور الأحداث عدم وجود اتفاق على انهاء "النظام"، وخاصة بعد الخلاف القطري- السعودي، وتأثيره الكارثي، وخير وصفٍ لذلك ما قاله وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم: “تهاوشو على الصيدة، وخسروها جميعاً". لذلك، من الصعوبة ان يحدث مثل هذا الاتفاق، وبخاصة مع عدم وجود إرادة أمريكية جدية حول ذلك. أما ما يجري اليوم من تقارب مع النظام السوري هو ليس اتفاقاً عربياً موحداً، وإنما للسعودية رؤيتها الخاصة في التطبيع وتروج لما يشبه "مبادرة عربية"، وللأردن رؤية أخرى، وكذلك مصر، ولعل اجتماع عمان الاخير عُقد بعدما لمُس أن للأردن ومصر اعتراضاً ما على المسار السعودي، فتم العمل للوصول لحلٍ وسط عبر الجامعة العربية، ولا نعلم كم سيستمر هذا المسار، وخاصة أن النظام يُراهن دائماً على العلاقات الثنائية أكثر من العمل "العربي المشترك" رغم ادعائه العكس.

يمكن فهم ان الأردن لم تُرد أن يتم التطبيع من النظام السوري دون مقابل، لذلك قدّم لها النظام حافزاً عبر عملية "مرعي الرمثان". في حين نجد ان مصر التي كانت غير موافقة على أي خطوة تطبيعية مع النظام قبل تقديم الأخير تنازلات على صعيد الحل السياسي، لم تُبدي فيما بعد تصلباً و لم تمارس ضغطاً كبيراً في هذا الاتجاه، وتماهت في النهاية مع الإرادة السعودية. في حين نجد قطر والمغرب والكويت تماشت مع مبدأ “إذا الأغلبية ارادت ذلك" لن نقف حجرة عثرة امام "الإجماع"، ولكن على الصعيد الثنائي  لم تتغير مواقف هذه الدول الأخيرة، وهذا يعني أن عودة النظام للجامعة العربية ذات بُعد "رمزي" أكثر من ان يكون لها انعكاسات على علاقات النظام بعموم الدول العربية، وسيبقى أثرُ هذا التطبيع على المسارات "الثنائية" فقط، وهي لعبة النظام المفضلة.

من المعروف أن مصير أغلب المبادرات  العربية المشتركة هو الإهمال، أو النسيان، أو عدم الالتزام بها، وعليه في النهاية سيعود تقدير مدى تطبيع العلاقة مع النظام السوري لكل دولة عربية على حدى، وهذا ما أكده تصريح أمين عام الجامعة العربية "أحمد أبو الغيط" حيث كان واضحاً للغاية بقوله: ان "الموقف من التطبيع الثنائي سيادي"، مما يعني ان كل دولة عربية على حدى لها سلطة تقرير ما تراه بهذا الشأن، وصحيح ان "النظام" عاد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، ولكن ذلك  لا يعني ان كل الدول العربية طبعت معه. 

وفي نفس السياق، نقلت وكالة "رويترز" أن السعودية عرضت على النظام السوري مبلغ 4 مليار دولار لقاء وقف تهريب المخدرات، وان كان هذا الخبر صحيحاً فأنه يُعد أحد المسارات الثنائية المهمة، التي سيكون لها تأثيرات نوعية، عكس العلاقات الجماعية الشكلية التي تبقى قيمتها رمزية لا أكثر.  وهذا العرض من المفروض ان ينتج عنه توقف تجارة المخدرات تماماً، مقابل 4 مليارات دولار مساعدات إنسانية أو استثمارات زراعية، وخاصة بعد ان صدر تصريح عن الولايات المتحدة بانه "تواصلنا مع شركائنا العرب وحذرناهم من الوقوع تحت نطاق عقوبات قيصر".

من جانب آخر، لا يوجد لحّد الآن أية مؤشرات حول إمكانية تأثير هذا الحراك السياسي العربي حول سوريا، والعملية الجوية الأردنية، على نفوذ ايران في الجنوب السوري، والأمر مرتبط بشكل كبير بوجود إرادة إيرانية لتخفيف نشاط تهريب المخدرات، بغية اجتذاب الدول العربية نحو التعاون معها، وكما ذكرنا في هذه المقالة سابقاً، إذا تصرف الأردن في هذا الملف دون التنسيق مع النظام السوري الذي ما زال متحالفاً مع إيران، سيتعرض لما يشبه "حرب استنزاف" في حدوده الشمالية.

وكخاتمة، يمكننا القول بان فرضية ان التطبيع مع النظام السوري هي محاولة لجرّه إلى مصيدة، تبقى غير واقعية وقريبة للكلام "الشعبوي"، وعلى ما يبدو ان الهدف هو تقديم إغراءات لهذا النظام على أمل التوقف عن أذيتهم. فهذا النظام لم يقدم أي تنازلات حقيقية سابقاً للقرارات الدولية، وكانت تنازلاته "شكلية" ولعب على الوقت وعلى التفاصيل، فهل يعقل أن يقدم النظام الآن تنازلات لقرارات الجامعة العربية ؟!

ما يجري الان هو قيام بعض الدول العربية بتحصين أنفسهم ضد شرور أذرع النظام السوري وايران، ومحاولة تجنبها، وتحقيق مصالح دولهم، فكل دولة منهم لها ترتيباتها ومصالحها الخاصة، والنظام يساوم ويبتز، ويحاول الحصول على منافع مقابل أوراق يتخلى عنها.