التأثيرات المحتملة لفوز بايدن في مسارات الأزمة السورية

اتسمت السياسة الأمريكية تجاه سوريا بعد 2011 بالغموض، وعدم اتباع مسار وسياق واضح، فمنذ بداية الأزمة السورية لم تكن الولايات المتحدة راغبةً بالتدخل عسكرياً في هذه الأزمة، واكتفت الإدارة الأمريكية آنذاك بإعلان عدة خطوط حمراء لا تسمح للنظام أو حلفاءه بتجاوزها، ولكن على الرغم من تجاوز بعض تلك الخطوط الحمراء، ومنها استخدام الأسلحة الكيماوية، إلا أن إدارة الرئيس أوباما لم تحرك ساكناً. بعد ذلك ركزت السياسة الأمريكية بشكل خاص على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ودعمت قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة هذا التنظيم، وبعد السيطرة على أخر معاقل داعش في الباغوز، عملت الولايات المتحدة على منع عودة هذا التنظيم من جديد، وحماية الأكراد، بإبقاء بعض الجنود الأمريكيين هناك على الرغم من رغبة الرئيس ترامب بسحبهم، وكذلك لحماية أبار البترول في منطقة شرق الفرات، والتنسيق مع الروس لمنع حدوث تصادم بينهما في تلك المنطقة، وكذلك مع تركيا في منطقة عمليات "نبع السلام"، ولتجنب أزمة إنسانية في ادلب في حال قيام روسيا والنظام السوري بحملة عسكرية على ادلب.

على الرغم من عدم حسم نتائج الانتخابات الأمريكية بعد، لكن المرجح حتى الآن هو فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، لذلك هنالك سؤال مهم حالياً، وهو: هل ستتغير السياسة الأمريكية تجاه سوريا في عهد بايدن أم أنها ستستمر وفقاً لما كانت عليه سابقاً؟

يبدو من خلال متابعة تصريحات بايدن وفريقه خلال حمتهم الانتخابية أن التغيير في السياسة الأمريكية سيكون محدود، لأنه سوريا بشكل عام لا تشكل أولوية للسياسة الأمريكية، وهذا ما كانت عليه حتى عند انتقال الرئاسة من أوباما إلى ترامب، حيث كان هنالك تغيير طفيف في تلك السياسة.

لكن هناك قسم متفاءل في المعارضة السورية، يرى بأن سوريا ستكون أولوية لدى إدارة بايدن الجديدة، خصوصاً الأوضاع الإنسانية في هذا البلد، مما يعني زيادة الضغوط على نظام الأسد وداعميه لأنهاء الأزمة.

ولمناقشة التحولات المحتملة، يمكن تقسيم السياسة الأمريكية في سوريا لعدة محاور:
- المحور العسكري:

للولايات المتحدة وجود عسكري مباشر في منطقة شرق الفرات وفي منطقة التنف على الحدود السورية العراقية، وإن كان الهدف الأول لوجودها هو دعم الأكراد حلفاء واشنطن في محاربة داعش، فهدفه الثاني هو الحد ولو بشكل جزئي من التمدد الإيراني ومراقبته.

وفي أثناء حكم ترامب سقطت الغوطة بيد النظام ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً، وزاد الروس والإيرانيين من تدخلهم تحت أنظار الأمريكان، وباستثناء القصف الاستعراضي لبعض مطارات النظام، وقتل الإرهابيين قاسم سليماني وأبو بكر البغدادي، كانت السياسة الأمريكية استمراراً لسياسة سابقه الرئيس الديمقراطي أوباما.

بالنسبة للموقف المحتمل للرئيس بايدن من الأزمة السورية، فأنه يُذكر أنه اقترح عندما كان نائباً للرئيس أوباما عام 2016 أن يكون الحل في سوريا عسكرياً، لكنه بنفس الوقت يتردد في الأوساط السياسية أنه كان يرفض تسليح المعارضة السورية في وقت كانت قادرة على إسقاط نظام الأسد.

فهناك خشية من تكرار سياسة أوباما في عهد الديمقراطي الجديد بايدن، حيث سلمت أمريكا الملف السوري لروسيا، وسمحت لهم بالتدخل العسكري المباشر لمنع سقوط النظام، كذلك سمحت لإيران بالتمدد في سوريا وغيرها من دول المنطقة.

فالاعتقاد الأرجح أن الولايات المتحدة لن تقوم بأي عمل عسكري للإطاحة بالنظام بالقوة، وستبقى القوات الأمريكية متواجدة في شرق الفرات وفي التنف، ولن يتم سحبها، حتى أن بايدن صرح على ضرورة بقاء قوات أمريكية لحماية الأكراد، وانتقد قرارات ترامب بسحبها، لكن بنفس الوقت لن يدعم إرسال أسلحة جديدة للمعارضة السورية، وخاصة بعد سيطرة فصائل متشددة على ادلب.

فمن الناحية العسكرية فغالباً لن يكون هناك تغييراً كبيراً، وستحافظ الولايات المتحدة على سياستها وقواتها هناك، وربما يزيد بايدن عددها في شرق الفرات، تحت ذريعة عدم السماح بخروج تنظيم داعش مرة أخرى، وللحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.

وبالنسبة لإدلب يبدو أنه سيستمر التنسيق التركي الأمريكي هناك لمنع عملية عسكرية للنظام بدعم روسي، على الرغم من تصريحات بايدن المتشددة تجاه تركيا، وذلك لتجنب كارثة إنسانية هناك، وهذه من الشعارات التي كانت ترفعها حملة بايدن وهي مسألة "الأحوال الإنسانية" و "إيقاف الحروب".

- العلاقة مع إيران:
علاقة الولايات المتحدة مع إيران تنعكس على سوريا وكل دول المنطقة العربية، فأوباما سمح لها بالتمدد ورفع الحظر على بعض أموالها بعد توقيع الاتفاق النووي، أما سياسة ترامب المتشددة تجاها فقد انعكست على الملف السوري وضعفت قدرة إيران على تقديم الدعم الاقتصادي للنظام السوري، مما أدى إلى دخوله بأزمة اقتصادية كبيرة، لذلك فإن مقاربة بايدن تجاه إيران سكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد السوري ونظام الأسد بشكل كبير، ففي حالة تخفيف العقوبات عن إيران ستقوم إيران بتقديم دعم أكبر لنظام الأسد، مما يجعل العقوبات الأمريكية على النظام ذات أثر محدود. كذلك فإنه في حالة تقرب بايدن من إيران ومعاداة تركيا ستكون هذه السياسة مفيدة بشكل كبير للنظام السوري.

- العقوبات الاقتصادية وقانون قيصر:
كان قانون "قيصر" مشروع ديمقراطي في الأساس، وتم طرحه في عهد الرئيس أوباما، لكن أوباما أجل التصويت عليه، وذلك لحسابات أمريكية مرتبطة بالعلاقة مع روسيا، وتم التصويت على مشروع القانون في عهد ترامب، ونال موافقة الحزبين سنة 2019.

يبدو أنه من المؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة لن ترفع العقوبات عن النظام، ولن تشارك الولايات المتحدة في عملية إعادة الإعمار أو التطبيع مع نظام الأسد حتى إجراء عملية انتقال سياسي حقيقي، لكن ربما ستغض النظر عن تعامل قوات قسد مع النظام اقتصادياً وخاصة في مجال النفط، وذلك لتوفير بعض الدعم الاقتصادي لقوات سوريا الديمقراطية.

- المسار السياسي:
ربما تعمل الإدارة الجديدة على زيادة الضغط على حلفاء النظام لتفعيل مسار الحل السياسي، وخاصة أن الديمقراطيين يحملون إدارة أوباما الديمقراطية مسؤولية استمرار المأساة السورية، وفي حالة ممارسة تلك الضغوط ربما ينتج عنها عودة الحياة لمسار جنيف التفاوضي، وكذلك دعم عمل اللجنة الدستورية المشكلة لوضع دستور جديد لسوريا، وربما سيضغط بايدن لمشاركة الأكراد بشكل أكبر بها.

- العلاقة مع روسيا:
رسمت الاتفاقات الروسية الأمريكية بعض الخطوط الحمراء لكل طرف لا يُسمح بتجاوزها، حتى أنه عندما حاول بعض الجنود الروس تجاوز نهر الفرات قامت القوات الأمريكية بقصفهم، وسقط العديد من الضحايا بينهم، ولم تحرك روسيا ساكناً، لأنه كان اخلالاً للاتفاقات بين الطرفين، وبعد ذلك ونتيجة تطور العمليات العسكرية في منطقة شرق الفرات، وبعد عملية نبع السلام دخل الروس لتلك المنطقة، وعقدوا اتفاقات جديدة مع الإدارة الأمريكية تضمن عدم حصول أي خرق للاتفاقات بينهما.

بايدن –طبقاً لتصريحاته- على عداء مع الروس، وهذا ما يصب ولو بشيء ما لصالح المعارضة السورية إن كان عداءً حقيقياً.

- العلاقة مع تركيا:
خلال حملته الانتخابية أطلق بايدن بعض التصريحات المتشددة تجاه تركيا، وتجاه الرئيس أردوغان خاصة، ففي حال طبق بايدن ما صرح به سينعكس ذلك على الداخل السوري وخاصة العلاقة مع الأكراد واللاجئين وقضية ادلب، لكن في نفس الوقت تركيا دولة مهمة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وستحاول أن لا تخسرها، وإن كانت تصريحات الرئيس متشددة قبل نجاحه في الانتخابات لمقتضيات انتخابية، والسياسة الخارجية الأمريكية لا يرسمها الرئيس وحده، لكن هناك مؤسسات مؤثرة وفاعلة بها أيضاً كوزارة الدفاع والخارجية والمخابرات الأمريكية.

- العلاقة مع الأكراد:
ما يثير القلق في سوريا من الرئيس الجديد هو موقف بايدن من قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة أن بايدن أقترح عام 2006 تقسيم العراق، وخلق دولة كردية في شمال العراق على حدود تركية الجنوبية، وكذلك فإن نائبته هاريس انتقدت إدارة ترامب لسماحها لتركيا بالقيام بعملية نبع السلام. كل هذه التصريحات جاءت في وقت كانت الولايات المتحدة تسعى لفصل قوات سوريا الديمقراطية عن حزب العمال الكردستاني، خاصة في ظل الموقف التركي الثابت تجاه هذه القضية. ففي حالة تشدد السياسة الأمريكية الجديدة تجاه تركيا، سيشكل هذا فائدة كبيرة لقوات سوريا الديمقراطية وسيعزز موقفها.

من المحتمل أن يزيد بايدن من المساعدات الاقتصادية لـ PYD، كذلك ربما تضغط ليكون لهم دوراً أكبر في اللجنة الدستورية السورية والمفاوضات بين المعارضة والنظام، لكن بالتأكيد أنه سيحافظ على وجود القوات الأمريكية هناك، وربما يزيد عددهم.

- اللاجئين والمساعدات الإنسانية:
اتبع ترامب سياسة متشددة تجاه اللاجئين والسفر للولايات المتحدة من بعض الدول ومن بينهما سوريا، لكن بايدن ربما يسمح بزيادة عدد اللاجئين المسموح لهم بدخول أمريكا على العكس من سياسة ترامب، وغالباً سيكون للسوريين حصة كبيرة بهم، وربما تزيد الولايات المتحدة من دعمها الإنساني.

صرح توني بلينكين مستشار بايدن: "أن الولايات المتحدة فشلت في منع الخسائر المأساوية في الأرواح وكذلك الملايين من الأشخاص الذين تحولوا إلى لاجئين أو نازحين داخلياً، الأمر الذي تعمل عليه حملة بايدن وستأخذه بعين الاعتبار في حال الفوز بالانتخابات".

 لكن بشكل الوعود الأمريكية كانت كثيرة للشعب السوري وكلها كانت تتحدث عن زيادة الضغط على النظام السوري لتوفي العدالة والأمان للسوريين، لكنها كانت عبارة عن وعود زائفة.

بشكل عام فإن أي تغيير جذري بالموقف الأمريكي يحتاج لوقت أطول، وعلى مايبدو ستبقى محددات السياسة الأمريكية ثابتة تجاه سوريا، ومنها التعاون مع الأكراد في شرق سوريا، ولكن إلى أي مدى سيصل هذا التعاون، وخاصة أن ترامب كان يفضل تركيا على التعامل مع الأكراد، وستستمر الخشية الأمريكية من زيادة نفوذ طهران أو عودة تنظيم داعش، لذلك ستتوافق الإجراءات العسكرية والسياسية الأمريكية وفقاً لذلك.