انعكاسات الاجتماع السابع عشر للاتحاد البرلماني لمنظمة التعاون الإسلامي في ظل الأدوار التكاملية للجزائر وتركيا

انعقد الاجتماع الأخير للاتحاد البرلماني، إحدى المنظمات الفرعية لمنظمة التعاون الإسلامي، في الجزائر، إحدى دول شمال إفريقيا، بين 29 - 30 يناير تحت عنوان "تحديات التحديث والتنمية في العالم الإسلامي". تنبع أهمية الاجتماع الذي يحظى بجمهور عريض، من آسيا إلى أوروبا ومن إفريقيا إلى الجغرافيا العربية وحتى أمريكا اللاتينية، بسبب الرسائل التي يحملها والقرارات المتخذة كصوت مشترك في مواجهة التطورات الأخيرة الحاصلة في الجغرافيا الإسلامية و الاساءات التي توجه نحو دين الإسلام.

جاء الاجتماع في وقت يواجه فيه العالم الإسلامي على المستويين الإقليمي والعالمي اعتداءات تشن على دين الإسلام، وفي الوقت الذي صعدت إسرائيل من هجماتها الظالمة والقمع على فلسطين، وعندما أصبح هدف تحقيق الإجماع على بعض القضايا بين الدول الإسلامية محسوسًا بعمق. طُرح في القمة التي حضرها رؤساء برلمانات ونواب ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى يمثلون البرلمانات، أن إسرائيل قد كثفت من هجماتها، وأنه يجب حماية المسجد الأقصى، فضلاً عن تناول الاستراتيجيات من أجل الوحدة في الكفاح ضد كل أشكال الإرهاب. تعتبر قمة منظمة التعاون الإسلامي التي انعقدت في الجزائر، كعلامة على موقف الجزائر التاريخي ومسؤولياتها في سياسات الشرق الأوسط، وكذلك على انعكاس السياسة الخارجية الجزائرية في القضايا الأساسية.

كما حضر الاجتماع من تركيا مصطفى شنتوب، رئيس مجلس الأمة التركي الكبير. لوحظ أنه تم التأكيد على الشراكة بين تركيا والجزائر خلال اللقاءات التي أجراها شنتوب في الجزائر. وفي هذا السياق، يبرز دور تركيا والجزائر في الدفاع عن حقوق كل من الدولة الفلسطينية والفلسطينيين، وتوضيح الأوضاع الراهنة للعالم الإسلامي على مختلف المنابر. يواصل البلدان محاولاتهما لتنسيق جهودهما مع بعضهما البعض، ليس فقط بشأن هذان المجالان في السياسة الخارجية، ولكن أيضًا من أجل ضمان السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا. وفي هذا السياق، أكد رئيس مجلس الأمة التركي الكبير شنتوب على الإمكانات الاقتصادية للعلاقات بين تركيا والجزائر، وذكر أن حجم التجارة المتبادلة بين البلدين ارتفع من 4.1 مليار دولار في عام 2021 إلى 5.3 مليار دولار في عام 2022. وفي إطار الظروف الجيوسياسية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، تريد تركيا والجزائر، اللتان تعتبر شراكتهما حيوية أيضًا للمنطقة، تعزيز جهودهما لزيادة علاقاتهما الاقتصادية بالإضافة إلى التوصل إلى توافق في علاقاتهما السياسية ومواقفهما تجاه سياسة المنطقة. لذلك، فإن هذا الاجتماع له أهمية حاسمة للعلاقات بين البلدين.

في هذا الإطار، تعد منظمة التعاون الإسلامي إحدى المنصات التي تعزز الشراكة بين تركيا والجزائر. يُرى أن تركيا والجزائر تتشاركان في مواقفهما تجاه الدفاع عن حقوق فلسطين وفي مجال الهجمات على الإسلام، حيث إنها من بين القضايا الحاسمة التي يوليها البلدان أهمية في سياستهما الخارجية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تركيا قد شكلت "لجنة المجتمعات والأقليات المسلمة" التي تم إنشاؤها خلال فترة رئاسة الاتحاد البرلماني، وأنه تم إعداد تقرير شامل حول القضايا السلبية مثل جرائم الكراهية المرتكبة ضد المسلمين في العالم. وفي هذا السياق، فإن تبني الدول الإسلامية استراتيجية مشتركة ضد كل من الاعتداءات على فلسطين وضد الهجمات التي ينفذها بعض المتطرفين اليمينيين في دول أوروبية مثل فرنسا والسويد والدنمارك ضد المسلمين وضد الأماكن المقدسة الإسلامية في بلادهم، يأتي في مقدمة الموضوعات التي يتم تسليط الضوء عليها في الجزائر. كما أدلى العديد من المسؤولين في كلا البلدين، بما في ذلك كبار المسؤولين، بتصريحات تشير إلى أن الإسلام هو دين التسامح وأن مثل هذه الهجمات التي تحدث في الدول الأوروبية تعتبر بمثابة دعمٍ للمنظمات الإرهابية أكثر من إضرارها بالإسلام. وعليه، لا بد من الإشارة هنا إلى أن مواقف تركيا والجزائر وبياناتهما بشأن القضايا المعنية تعكس ملخص مواقف العالم الإسلامي ويشاركها رسميًا أعضاء منظمة التعاون الإسلامي.

بالإضافة إلى ذلك، أتاحت منصة الاتحاد البرلماني مرة أخرى الفرصة لتوحيد سياسات تركيا والجزائر تجاه كل من القضية الفلسطينية والعالم الإسلامي. ذُكر أن عدد الفلسطينيين الذين فقدوا أرواحهم جراء الهجمات غير المتكافئة للقوات الإسرائيلية يزيد عن ثلاثين شخصًا مع مرور أقل من شهر على دخول عام 2023. في هذا السياق، تمت الإشارة أيضًا إلى أن إعادة تشكيل الحكومة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، بعد رئاسة الوزراء الهشة وقصيرة الأمد لنفتالي بينيت ويائير لابيد، يعتبر تطور مهم من حيث سياسة منطقة الشرق الأوسط. تمت الإشارة إلى أن إسرائيل أقامت الحكومة الأكثر تشدداً ويمينية في تاريخها، حيث واصلت انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، وهجماتها ضدهم سواء من خلال قوات الشرطة والجيش الإسرائيليين أو من خلال تسليح المستوطنين.

في هذا السياق، داهم وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير مع قوة الشرطة المسجد الأقصى ودخلوا الحرم، في الأيام الأولى من شهر يناير والأيام الأولى من العام الجديد. بعد الأحداث، أعلنت الدولة الفلسطينية وحماس وإدارة المؤسسات الإسلامية في القدس أن وضع المسجد الأقصى قد انتهك، وألمحت إلى أن الأحداث قد تتصاعد. بعد ذلك، شنت القوات الإسرائيلية هجوما على مدينة جنين بالضفة الغربية، مما أدى إلى مقتل تسعة فلسطينيين، ثم تصاعد العنف وهاجمت حركة الجهاد الإسلامي كنيسًا يهوديًا في القدس.

وعندما نضيف الهجمات التي استهدفت جميع المسلمين في السويد والدنمارك التي حاولت إلى إتلاف نسخ القرآن الكريم إلى دوامة العنف هذه، ينبغي قراءة تجمع دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية في الجزائر على أنه تطور مهم. في ظل كل هذه الخلفية، أتاحت القمة التي عُقدت في الجزائر الفرصة لعرض موقف للجزائر تجاه المسألة الإسرائيلية الفلسطينية على جمهور الشرق الأوسط مرة أخرى، كما أتاحت الفرصة لمشاركة مواقف الدول المشاركة فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة. وضمن نطاق الاجتماع، صرح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بضرورة إيجاد صيغ حضارية ضد الأعمال العدائية التي تشن ضد الدين الإسلامي. وفي هذا السياق، أضاف الرئيس تبون أن الجزائر ستواصل دعمها لفلسطين.

تعتبر الجزائر من الدول التي لم تشارك في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد تطبيع مصر والأردن العلاقات مع إسرائيل في عامي 1979 و 1994. وفي عام 2020، أعادت دول الخليج تحديد علاقاتها السياسية مع إسرائيل، وضمن هذا الإطار، قامت المغرب والسودان، بالإضافة لدول الخليج مثل الإمارات والبحرين بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. تعد الجزائر في هذا السياق، إلى جانب دول مثل السعودية والكويت، من بين الدول التي تظهر أقوى ردود الفعل في الشرق الأوسط ضد إسرائيل. هذه السياسة الخارجية والموقف الإقليمي المشروع للجزائر تجاه إسرائيل يرجع أيضًا إلى انحيازها التاريخي للفلسطينيين، ونضالها الطويل الأمد ضد الإمبريالية والاستعمار الفرنسي ونجاحها نتيجة لذلك النضال.

في هذا السياق، لا تكتفي الجزائر بالرد على إسرائيل، بل وتسعى جاهدة من أجل توحيد الفاعلين الفلسطينيين. حيث عقدت في أكتوبر 2022 بوساطة من الجزائر محادثات الحوار الفلسطيني بين الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك فتح وحماس. وعلى الرغم من عدم ملاحظة أن الجهات الفاعلة الفلسطينية مثل حماس وفتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية يمكن أن تتفق بشكل كامل نتيجة المصالحة، فمن الواضح أن الاجتماعات المعنية والمصالحة الضمنية هي أحد الجهود التي يمكن أن تنهي الانقسام السياسي في فلسطين.

لذلك، يمكن ملاحظة أن البنود الرئيسية الموضوعة على جدول أعمال الاجتماع السابع عشر للاتحاد البرلماني هي الهجمات ضد فلسطين والإسلام. واستناداً إلى تصريحات مسؤولين مثل رئيس المجلس الوطني الجزائري صلاح جودجيل، ذكرت المسؤولون أيضاً أن الجزائر تعتبر القضية الفلسطينية قضية جزائرية وأن على جميع الدول العربية والإسلامية الدفاع عن حقوق فلسطين. وفي هذا السياق، شدد جودجيل على أن البند الأهم على جدول أعمال الاجتماع هو فلسطين.