تقارير حول الأنشطة

أفاق العلاقات التركية – الجزائرية

 

كان للصعود الاقتصادي التركي الذي صاحبه خلال  العشر سنوات الأولى للألفية الجديدة صعود سياسي و دبلوماسي في المنطقة العربية  أثر  جد ايجابي  على صورة تركيا في هذه المنطقة عموما و في الجزائر خصوصا.  يمكن التحدث عن "تحسن"  لصورة تركيا عند الجمهور الجزائري مقارنة بفترة ما قبل 2000 و هذا معناه أن هناك إعادة بناء ايجابية لصورة تركيا خصوصا منذ مجيء حزب العدالة و التنمية إلى السلطة. استفادت الصورة التركية من عدة عوامل ظرفية اقتصادية و سياسية و ثقافية لعبت دورها كقوة جذب اقتصادية و اجتماعية و ثقافية. لكن، على الصعيد السياسي يبدو أن قدرة الجذب التركية التي تزاوج بين السياسي والديني والبراغماتية المفرطة تعاني من نوع من الاستعصاء في مصاحبة السياسة الخارجية التركية لأنها لا تحقق نفس درجة  "القبول" لدى الجمهور الجزائري وخصوصا فيما يتعلق بالقضايا المباشرة في المغرب العربي.

تناولت مداخلة أستاذة منيرة بودردابن من جامعة قسنطينة، جوانب الجذب التركي للجمهور الجزائري و بعض آثاره مركزا على افتراض رئيسي مفاده أن جاذبية تركيا الاقتصادية و الاجتماعية تبرر بالتوغل الاقتصادي التركي في الجزائر الذي استطاع خلق صورة ايجابية عن بلد اقتصادي وصناعي قوي ومتفوق مقارنة بالتجربة الوطنية المحلية المنتمية إلى نفس الفضاء الحضاري و الاجتماعي. كما تناولت في القسم الثاني لقراءة في الإشكالات التي تعترض رواج تركيا سياسيا لدى الجمهور الجزائري وهو ما قد يبرر بعوامل هيكلية وأخرى متعلقة بالاتصال السياسي وجاذبية النموذج التركي عند الجزائريين.

الاعتماد على الدبلوماسية الناعمة في طريق تحقيق مفردات القوة، هذه الرؤية جعلت صانع القرار التركي لا يعتمد على الوسائل التقليدية في رسم وممارسة الدبلوماسية، فانشأ دبلوماسية متعددة الأوجه شارك فيها مؤسسات الفكر والرأي، والمنظمات غير الحكومية، ومؤسسات الإغاثة، وشاركت جميع هذه الدوائر المؤسسات التقليدية للخارجية التركية في صناعة مفردات القوة الدبلوماسية تحت مسمى الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة ما جاء في ختام مداخلة الأستاذة منيرة بودردابن.

- كما تطرق أستاذ مصطفى بخوش من جامعة بسكرة إلى العلاقات الجزائرية-التركية في متوسط مضطرب أي علاقة؟ ولأي مستقبل؟ أشار إلى تقاطع مصالح وتناقضات البلدين، دول غرب وجنوب الإتحاد الأوروبي ترى أن التهديد يأتي أساسا من جنوب دول المتوسط بسبب جذوره الإقتصادية والإجتماعية والسايسية ولذلك لا تكفي القوة العسكرية وحدها، ذا يمكن أن تستفيد تركيا من الجزائر في ظل كون الجزائر استراتجيا قلب المغرب العربي وباابة افريقيا ونقطة ارتكاز في غرب البحر المتوسط، اقتصاديا ممول مضمون بالنفط والغاز وسوق مهم للإستثمار الزراعي والصناعي، إعادة إحياء محور الجزائر كماوزن للمحاور الإقليمية والدولية تحتضن اليونان وإسرائيل ، كما لعبت چائحة كوفيد-19 فرصة سانحة لتركيا لتقمص دور من يعطي فحتى تيتشر وتسود بشكل ناعم تحركت تركيا عبر حزمة المساعدات التي وزعتها على العديد من الدول في العالم. كما تطرق إلى غياب رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات الجزائرية التركية محصور في تبادلات تجارية واستثمارات محكومة باتفاقيات اقتصادية لا ترقى للرهانات التي تعيشها المنطقة. كما تطرق أيضا إلى غياب التنسيق والتعاون فه قضايا السياسة العليا المرتبطة بقضايا الأمن القومي.

- كما جاء في كلمة السفير الجزائري مراد عجابي : أنه آن الأوان لأن نعيد كتابة تاريخنا المشترك بأنفسنا معتمدين على مؤرخينا ومراجعنا وخاصة الأرشيف العثماني خلال الفترة بين 1516-1830". وأضاف أن "التاريخ المشترك للبلدين، كانت كتابته حكراً على المؤرخين الغربيين".

ولفت السفير عجابي، إلى أن "هناك علاقات متميزة تجمع الجزائر وأنقرة على مختلف الأصعدة"، وتابع أن "البلدين يعملان على تثمين إرثهما الثقافي المشترك، مثل ترميم بعض المعالم التاريخية التي تعود إلى الحقبة العثمانية". وعن آفاق هذه العلاقات شدد عجابي، على أنه "أمام البلدين فرصة تاريخية لترقية العلاقات كنموذج يحتذى به في ظل الإرادة السياسية لقيادتي بلدين يحتلان مكانة هامة في العالم الإسلامي". من جهتها قالت سفيرة تركيا لدى الجزائر ماهينور أوزدمير كوكطاش، إن "التقارب السياسي الموجود بين البلدين، وضع أسساً جديدة للعلاقات الثنائية".

- كما أضاف الأستاذ توران كوكطاش: لا يجب أن ينظر إلى العلاقات بين تركيا والجزائر من الجانب الاقتصادي فقط، بل نريد تطوير الشق الاجتماعي وبناء علاقات أخوة وصداقة، كما وصفها بالشقيقة، وتطرق إلى المحطاطات التاريخية عبر مراحل الوجود العثماني في الجزائر ومساعدة حكومة الوزير الأول عدنان مندريس لجيش التحرير الوطني في حرب التحرير الجزائرية.

من جهته، قال أحمد أويصال، مدير مركز أورسام، إن "هناك شبه إجماع شعبي ورسمي حول ضرورة تمتين العلاقات بين الجزائر وتركيا".

وأضاف "هناك حملة لتشويه التاريخ العثماني في المنطقة، ولكن الحمد لله لا نرى ذلك في الجزائر". 

- كما ختم الأستاذ أحمد أويصال مدير مركز دراسات وابحاث الشرق الأوسط أن: "الجزائر وتركيا هما شريكان مهمان؛ الأول في غرب المتوسط والثاني في شرقه، ولهما دور هام في استقرار المنطقة". ولفت إلى أن "البلدين يدعمان القضية الفلسطينية، وعدم سقوط ليبيا في يد المرتزقة الأجانب، ويريدان مصلحة الليبيين، على عكس من يدعمون الانقلابات".

- غير وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002م أهداف ومحددات السياسة الخارجية التركية في شمال أفريقيا عموماً، والمغرب العربي على وجه الخصوص، حيث أصبحت تركيا أنموذجاً جديداً يكتسب ثقة شعوب المنطقة، وبالتالي أكتسب هذا التقارب بين الجزائر وتركيا زخماً كبيراً خلال السنوات الماضية، منذ عقد اتفاقية التعاون والصداقة بين البلدين أثناء زيارة السيد رجب طيب أردوغان للجزائر سنة 2006م، وكذلك بعد الزيارة الأخيرة له للجزائر في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، والتي اعُتبرت دفع كبير للعلاقات الثنائية، كذلك بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية والتي اتخذت مسار جديد بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، وتم تغيير محدداتها وأهدافها لتكون سياسة خارجية نشطة واستباقية. ويلعب سفراء البلدين دوراً كبيراً في تشجيع العلاقات الثنائية على كافة المستويات الثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها، بما يتلاءم مع مصالح البلدين الجيوسياسية هذا ما بدا في مداخلتهما في كلمات الإفتتاحية للندوة.

- وتعدى التنسيق السياسي بين البلدين الى تطور العلاقات الاقتصادية بالاتفاق حول التبادل التجاري الحر بعد هذه الزيارة ووضع أسس علاقات جديدة مبنية على التعاون والتكاثف الاقتصادي والسياسي، ولفهم أهمية العلاقات، فقد كان الرئيس عبد المجيد تبون شخصيا في وداع أردوغان في المطار الاثنين الماضي. والتي اعُتبرت دفع كبير للعلاقات الثنائية، كذلك بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية والتي اتخذت مسار جديد بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون، وتم تغيير محدداتها وأهدافها لتكون سياسة خارجية نشطة واستباقية. وشهدت العلاقات الجزائرية-التركية تطورا مذهلا خلال الاشهر القليلة، فبعدما سيطر غياب الثقة في العلاقات الثنائية، بدأ البلدان التنسيق السياسي في الملف الليبي.


السفيرة التركية في الجزائر

في البداية اسمحوا لي أن أشكر أورسام على تنظيمه الندوة، وأشكر سعادة السفير مراد عجابي السفير الجزائري بأنقرة على حضوره الندوة،

في البداية أحب أن أشير إلى أنه تم تعييني كسفيرة لتركيا في الجزائر في 1 كانون الثاني/ يناير 2020، ومنذ أن وطأت أقدامي أرض الجزائر لم أشعر بأي غربة، وكأنني في بيتي الثاني، ولدينا عشق عمره 500 سنة للجزائر.

في 31 تموز/ يوليو 1962 اعترفت تركيا باستقلال الجزائر، وكانت من أوائل الدول التي قامت بذلك، وتم ارسال السفير التركي للجزائر في 30 حزيران/ يونيو 1963 وبدأ عمله هناك.

وتركيا ترى الجزائر كدولة ودولة شقيقة، ويربطنا معها علاقات ثقافية واقتصادية وسياسية، وتبدي تركيا أهمية كبيرة للتعاون معها.

وتعتبر الجزائر ثاني أكبر شريك لتركيا في أفريقيا، وإذا نظرنا إلى أخر 20 سنة تطورت العلاقات التركية الجزائرية الاقتصادية والتجارية بشكل كبير، لهذا السبب يبلغ حالياً حجم التبادل التجاري بين البلدين 3.5 مليار دولار، وبناء على تعليمات رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان نسعى لزيادة هذا الرقم إلى 5 مليار دولار،

ولدى تركيا حالياً استثمارات بمجال الحديد والفولاذ تقدر بـ 2.5 مليار دولار، وهذه الاستثمارات جعلت الجزائر تبدأ تصديرها لأول مرة، كذلك هناك استثمارات بمجال المصانع تقدر حجمها ب 200 مليون دولار، وبواسطة تلك الاستثمارات ستبدأ الجزائر تصدير بناطيل الجينز لأوربا لأول مرة،

وأحب أن أشير إلى اللجنة المشتركة التركية الجزائرية التي تم تأسيسها في 2012م، والتي كانت طموح لي ولسعادة السفير مراد، وستعقد اجتماع لها من جديد هذه السنة.

وإذا نظرنا للعلاقات السياسية بين البلدين فقد عاشت العلاقات بين البلدين مرحلة نشطة، وزار رئيس الجمهورية التركية الجزائر مرتين خلال سنتين، وكذلك كان أول رئيس جمهورية يزور الجزائر ويلتقي بالرئيس عبد المجيد تبون بعد انتخابه، وهذا يوحي لأهمية العلاقات بين الطرفين، كذلك فإن وزير الخارجية التركي زار الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وفي 5 كانون الثاني/ يناير 2020 وهذه الزيارات المتكررة تعتبر إشارة إلى مدى أهمية العلاقات بين البلدين، والأهمية التي تبديها تركيا لها.

وأثناء زيارة الرئيس أردوغان للجزائر في أواخر كانون الثاني/ يناير هذه السنة، تم التوقيع على إعادة تشكيل اللجنة العليا الجزائرية التركية، لرفع مستوى العلاقات لمستوى أعلى، وعندما تمت الزيارة كنت جديدة أنا في الجزائر لذلك كثير من الوزراء لم يكونوا يعرفوني بعد، لذلك بدأوا بمساعدتي، وقدمت الجزائر لي تسهيلات ومساعدة بشكل كبير،

وفي مجال العلاقات الثقافية وفي مجال التعليم، فللبلدين علاقات عميقة، سواء في مجال الأبحاث الأكاديمية أو مجال التعليم، وهذا ما ينعكس على النظرة تجاه البلدين لدى الناس،

بالنسبة للغة التركية والثقافة التركية فلها اهتمام خاص من الجزائريين وعندما تذهب لأي مكان ويعرفون أنك من تركيا يبادرون بالسلام عليك باللغة التركية، أو يمدحون تركيا أمامك،

ويوجد في الجزائر 25 ألف مواطن تركي، بعضهم مقيم إقامة دائمة، وبعضهم مؤقتة، للعمل أو لأسباب أخرى، ولهم دور كبير في تطوير العلاقات بين البلدين، وبالنسبة للطلاب فهناك اهتمام كبير من الجزائريين للدراسة بالجامعات التركية، سواء عن طريق المنح التركية أو يأتون للدراسة على حسابهم الشخصي في تركيا.

وفي الجامعات الجزائرية هناك في جامعة قسنطينة قسم للغة التركية وآدابها، وسيتم فتح مركز يونس أمرة للثقافة التركية قريباً في الجزائر ومركز للثقافة الجزائرية في تركيا، وتم توقيع البروتوكول الخاص بذلك، وقد وصل لنا بشكل سريع، لذلك نأمل أن يبدأ أعماله في أقرب وقت،

ونظراً لاحتياج الجالية التركية في الجزائر سيتم فتح فرع لمدارس المعارف التركية في الجزائر لخدمة الجالية هناك،

وبالنسبة لمؤسسة التعاون والتنسيق التركيا (تيكا) فقد بدأ أعمالها في سنة 2015، وكما ذكر سعادة السفير الجزائري فقد قامت بأعمال كثير كأعمال الترميم، وقامت بأكثر من 80 مشروع أخرها مشروع مركز للطوارئ في وهران، وهناك مشروع متحف للأطفال سيرى النور قريباً.

وبالنسبة للمؤتمرات الدولية فهناك تعاون بين الطرفين، فهناك لدى الجزائر وتركيا رؤية مشتركة تجاه القضية الفلسطينية، كذلك بالنسبة لوقف إطلاق النار في ليبيا، حيث يسعيان لاستمراره.

وفي نهاية كلامي أريد أن أؤكد على عمق العلاقات الثقافية بين البلدين، ونسعى جاهدين لرفع العلاقات إلى أعلى المستويات، وبين الجزائر وتركيا 35 رحلة جوية أسبوعية للخطوط التركية، والاهتمام ليس فقط بالجانب الاقتصادي، بل نولي أهمية إلى العلاقات الاجتماعية بين الشعبين، وأن يكون هناك فهم مشترك بين الشعبين، كذلك نبدي أهمية لتطوير السياحة والسياحة الطبية بين البلدين.

أشكر أورسام مرة أخرى على التنظيم، وأتمنى أن نلتقي في الجزائر بندوة مشابهة، وأتمنى النجاح لهذه الندوة

وشكراً لكم

ماهي نور كوكتاش, السفيرة التركية في الجزائر


 السفير الجزائري في تركيا

باسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أود بادئ ذي بدء أن أتقدم بالشكر الجزيل لمركز أورسام على دعوته الكريمة لنا لحضور هذه الندوة التي نتمنى لها كل النجاح. كما أرحب بوجود سعادة السفيرة ماهينور أبلة و المحاضرين من بلدينا. و الشكر موصول كذلك للطاقم التقني و لكل الذين سهروا على تنظيم فعاليات هذه الندوة في الظروف الصعبة و الاستثنائية التي يعيشها العالم برمته بسبب جائحة كورونا سائلين المولى عز و جل أن يرفعها عنا.

واسمحوا لي أن اغتنم هذه السانحة لأتقدم، أصالة عن نفسي ونيابة عن أعضاء السفارة الجزائرية بتركيا، لجميعكم و للشعب الجزائري في الجزائر و في المهجر و للشعب التركي الشقيق و كذا لكافة مشاهدينا كرام لأتوجه بأحر التهاني و أصدق التمنيات بمناسبة عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا و عليكم بموفور الصحة و السعادة و على بلدينا و شعبينا و الإنسانية جمعاء بالخير و اليمن و البركات.

و اسمحوا لي كذلك أن أعيد هذه التهاني على مسامع أشقائنا الأتراك بلغتهم الجميلة التي سعدت و أعتز بتعلمها و أقول :

Mübarek   Ramazan   Bayramı”    vesilesiyle   en   kalbi tebriklerimi ve en içten dileklerimi sunmaktan büyük bir mutluluk   duyar   kardeş   halklarımız   ,ülkelerimiz   ve   tüm insanlık için Yüce Allah’tan bizlere rahmet, barış, mutluluk ve refah ihsan etmesini niyaz ederim.

لاشك أن روابط الأخوة و الصداقة بين الجزائر و تركيا ضاربة في التاريخ و تمتد لخمسة قرون، كما تربط بلدينا علاقات متميزة على كل الأصعدة سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية. و قد اكتسبت هذه العلاقات زخما على مدى السنوات القليلة الماضية، لا سيما غداة التوقيع على "اتفاقية الصداقة والتعاون" في 2006 و التي أرست أسسا قوية للعلاقات الثنائية و توجت مؤخرا بزيارة فخامة الرئيس التركي، السيد رجب طيب أردوغان، إلى الجزائر يومي 26 و 27 يناير 2020 و التي تمخضت عنها قرارات هامة أعطت دفعة جديدة للعلاقات بين البلدين.

خلال هذه الزيارة التاريخية، عبر رئيسا البلدين عن تقارب في وجهات النظر فيما يخصّ العديد من القضايا الدولية و الإقليمية ذات الإهتمام المشترك و قررا إنشاء "مجلس أعلى" يؤطر التعاون الثنائي. كما تم الإتفاق على إنشاء مركز ثقافي تركي " يونوس إمري" في الجزائر ومركز ثقافي جزائري في تركيا. و إتفق الجانبان كذلك على عقد دروة جديدة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني في أقرب الآجال.                

و فيما يخص العلاقات الاقتصادية و التجارية، فقد بلغ حجم التجارة بين البلدين أكثر من 4 مليارات دولار عام 2019. و تعد تركيا حاليًا خامس أكبر شريك تجاري للجزائر بينما تعتبر الجزائر ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا في أفريقيا. كما تعد الجزائر رابع مورد للغاز الطبيعي لتركيا (بعد روسيا وإيران وأذربيجان). و قد أعرب الجانبان عن عزمهما رفع حجم التجارة الثنائية إلى أكثر من 5 مليارات دولار في المستقبل القريب.

و في مجال الإستثمار، تعد تركيا المستثمر الأول في الجزائر، خارج قطاع المحروقات، بما يربو عن 800 شركة نشطة في بلادنا موفرة بذلك ما يقارب 30.000 منصب شغل، بإستثمار إجمالي بلغت قيمته 3.5 مليار دولار في 2019. أما بالنسبة للاستثمارات الجزائرية في تركيا، فقد وقعت الشركة الوطنية للمحروقات "سوناطراك"، بتاريخ 28 نوفمبر 2018، عقدًا مع شركة Rönesans التركية لإنشاء مجمع بتروكيماويات بمنطقة جيهان، بمقاطعة أضنة، بإستثمار بلغ 1.4 مليار دولار.

و قد جدد الجانبان، في هذا الصدد، التأكيد على سعيهما لإقامة شراكات ثنائية مستدامة و تحقيق مزيد من فرص التعاون قائمة على مبدأ المنفعة المتبادلة، بالنظر إلى أن تركيا، كما جاء على لسان فخامة الرئيس أردوغان، تعتبر الجزائر شريكا إستراتيجيا لها و ليس فقط سوقا لتصدير منتجاتها.

أما في المجال الثقافي فيعمل البلدان على تثمين إرثهما الثقافي و التاريخي المشترك عبر العديد من بروتوكولات التعاون التي، من  جملة ما تهدف إليه، ترميم بعض المعالم التاريخية والآثار التي تعود الى الحقبة العثمانية مثل "جامع كتشاوة" بالجزائر العاصمة و "قصر الباي"  بولاية وهران.

و بخصوص التاريخ المشترك للبلدين، و الذي لطالما كانت كتابته حكرا على المؤرخين الغربيين، يسعدني أن أعيد التأكيد على ما سبق و ذكرته من قبل، ألا و هو أنه قد آن الأوان لأن نكتب أو نعيد كتابة تاريخنا المشترك بأنفسنا، معتمدين في ذلك على مفكرينا و مؤرخينا و كذا على مراجعنا، و أخص بالذكر هنا الكنز الذي يمثله الأرشيف العثماني المتعلق بالجزائر خلال الفترة  الممتدة من (1516 إلى 1830).

و بخصوص التعاون العلمي بين البلدين، فيتمثل أساسا في اتفاقيات التوأمة بين عدد من الجامعات التركية و الجزائرية وكذا تشجيع التبادل الطلابي، حيث تستقبل تركيا عددا معتبرا من الطلبة الجزائريين كل سنة في إطار منح تقدمها الحكومتين الجزائرية و التركية.

أما عن الآفاق المستقبلية، فأمام البلدين فرصة تاريخية لترقية العلاقات الثنائية تجعل منها نموذجا يحتدى به في ظل الإرادة السياسية لقيادتي بلدين شقيقين و كبيرين يحتلان مكانة إستراتيجية و يلعبان دورا محوريا في العالم الإسلامي.

و لا يسعني هنا إلا أن أعبر عن شكري و إمتناني للوكالة التركية للتعاون و التنسيق "تيكا"، لما قدمته للجزائر في إطار مكافحة جائحة كورونا و نثمن غاليا هذه الهبة التضامنية التي ليست بالغريبة عن الأشقاء الأتراك.

أرجو أنني لم أطل عليكم في سرد هذه الملاحظات التمهيدية و أن لا ينطبق علي ما قاله أستاذ جليل، رحمه الله، لأحد زملائي في الجامعة لما استرسل في الكلام و أطال: حسبك يا بني، لقد رزقت فصاحة اللسان فأطلقت العنان!

و عليه، أود في الأخير أن أعبر عن قناعتي بأن آفاق العلاقات التركية الجزائرية في مختلف الميادين واعدة جدا. كيف لا و قد امتزجت سواعد و دماء الشعبين في الماضي البعيد خلال معارك تاريخية معروفة كانت آخرها معركة نافارين سنة 1827 حيث خسرت الجزائر معظم أسطولها البحري الذي كان يحسب له ألف حساب آنذاك، مما سهل غزو الجزائر و احتلالها من قبل المستعمر الفرنسي ثلاث سنوات فقط بعد تلك المعركة.

و استمر هذا التلاحم بين الشعبين التركي و الجزائري خلال فترة ظلم و ظلمة هذا الاستعمار لما زجت سلطات الاحتلال بمئات من الجزائريين لمحاربة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى و هي صفحة من صفحات تاريخنا المشترك لا يعرفها إلا القليل مع الأسف. و سرعان ما استمع هؤلاء الجزائريين إلى صوت المؤذن يرفع على مساجد الأناضول انقلبوا على الجيش الفرنسي و انظموا بأسلحتهم إلى إخوانهم و وحاربوا بجانبهم حتى ظفروا بالنصر و ساهموا بذلك في دحر الغزاة و تحرير الأراضي التركية التي قرروا بعد ذلك المكوث فيها هم و أحفادهم المتواجدون في معظمهم اليوم في مدينة كوزان بولاية أضنة. 

أما اليوم و بلدانا ينعمان بالاستقلال و السيادة على أراضيهما، فإننا نعمل جاهدين و آملين أن تمتزج سواعد و عرق علماء و عمال شعبينا في معركة البناء و التنمية و الازدهار في المصانع و الجامعات و المخابر و الحقول الخصبة و الصحراء المعطاءة خدمة لمصالحها المشتركة العليا و خدمة كذلك للتعاون و السلم الدوليين و ما أحوج العالم إليهما اليوم كما بينته بوضوح أزمة وباء كوفيد-19 و هي الأزمة التى يبلي فيها بلدانا بلاء حسنا خاصة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية.

و شكرا على حسن إصغائكم.

مراد عجابي، السفير الجزائري في تركيا

انقر لمشاهدة الندوة