العراق في الذكرى العشرين للإحتلال: ما الذي تغير؟

تعرفت على شيخ عشيرة في إحدى سفرياتي إلى بغداد، وذات مرة سألته "ماذا تغيّر في العراق بعد الإحتلال الأمريكي؟"، من يومها أصبحت إجابة ذلك الشيخ عبارة لا تفارق ذهني عندما أقوم بتحليل الأوضاع في العراق، حيث أنه أجاب على سؤالي: "كان هنالك صدّام واحد في السابق، والآن يوجد ألف صدام!"

ربما من المفيد أكثر أن نقول في البداية ما كان يجب أن يقال في النهاية. حيث أصبح العراق اليوم بلدا لا يمكن التحوّل فيه إلى مأسسة الدولة، وتهيمن الانقسامات العرقية والدينية والطائفية والقبلية في جميع المجالات والأوساط، وتنتشر فيه نقص الخدمات العامة والفساد والبطالة وعدم الاستقرار والتدخل الأجنبي.

من 2003 إلى الآن
تحوّل التدخل الذي بدأته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق في 20 آذار/ مارس 2003 إلى احتلال مع سقوط العاصمة بغداد في 9 نيسان/ أبريل من نفس العام، ومثّل ذلك بداية عهد جديد للعراق والمنطقة.

ورغم انتهاء الاحتلال الأمريكي للبلاد فعليا في عام 2011، بحسب الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة والعراق عام 2008، إلا أنه ليس من السهل محو آثار هذا الاحتلال. وعلى الرغم من مرور عشرين عاما على الاحتلال، إلّا أننا نرى أن العراق يدخل حقبة جديدة كل 3–5 سنوات.

كيف بدأت الحرب الطائفية؟
أصبح الشعب العراقي الذي عاش في ظل حكم ديكتاتوري على مدى الثلاثين عاما الماضية "مشاهدا" لجهود الإصلاح التي كانت تجري في البلاد بين عامي 2003 و2006. وعلى الرغم من إجراء 3 انتخابات واستفتاء على الدستور في الفترة المذكورة، إلّا أن الميليشيات العرقية والدينية والطائفية وحتى القبلية انتشرت في نظام الدولة الحديث، وأصبحت الدولة مكونة من ميليشيات.

وبذلك، ظهرت على السطح بنية دولة مشلولة بسبب عنصر الهوية. ولم يمنع هيكل الدولة هذا مأسسة الدولة فحسب، بل امتد وانتشر أيضا في القاعدة الاجتماعية. وفي هذا الإطار فإن الهجوم على ضريح الإمام العسكري الذي يعتبر مقدسا عند الشيعة في سامراء في عام 2006، يعد الشرارة التي أشعلت فتيل "الحرب الطائفية" في العراق.

"التقوقع" وفق الهوية الطائفية
دخلت الميليشيات الشيعية والسنية التي كانت تقاوم الاحتلال الأمريكي للعراق في صراع مع بعضها البعض هذه المرة في الفترة بين عامي 2006 و2008. وأثّر هذا الوضع بشكل سلبي على الشعب أيضا، وبدأت مرحلة "التقوقع" في جميع مجالات الحياة تقريبا وفقا للهوية العرقية والطائفية.

حتى أن الميليشيات قامت بقتل العديد من الأشخاص لأن أسماءهم تشبه أسماء أشخاص تمثل طوائف أخرى. وبلغت الكراهية والعنف ضد الهويات المعارضة أبعادا كبيرة لدرجة أن الناس بدأوا في كتابة أسمائهم على أجسادهم أو رسم أوشام على أجسادهم حتى تتمكن عائلاتهم من التعرف على جثثهم في حال تعرضهم إلى القتل.

مقتل 80 ألف شخص، ظلم الجنود الأمريكيين، صدمات العراقيين
جدير بالذكر أن ما يقرب من 80 ألف مدني لقوا حتفهم منذ انتهاء الاحتلال الأمريكي رسميا عام 2006 إلى نهاية عام 2011. ويشار إلى أن أكثر من 66 ألف مدني لقوا مصرعهم بين عامي 2006–2008، وهي الفترة التي وصلت الحرب الطائفية فيها إلى ذروتها. ويعتبر 2006 و2007 العامين اللذين شهدا أعلى عدد من الضحايا المدنيين في البلاد. وهذا العدد يفوق حتى عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بين عامي 2014 و2017، عندما كانت هناك حرب ضارية وكان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على ثلث البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر  تلك السنوات هي الفترة التي قتل فيها أكبر عدد من الجنود الأمريكيين في العراق. وعلى وجه الخصوص، كان 2007 هو العام الذي خسرت فيه الولايات المتحدة أكبر عدد من الجنود في العراق حيث قتل 904 شخصا من قواتها. ولهذا السبب لم تكن "عصا" نظام الاحتلال غائبة عن الشعب العراقي في هذه الفترة. حيث لا يزال الاضطهاد الذي قام به الجنود الأمريكيون، لاسيما الذكريات السيئة لما حدث في سجن أبو غريب، من أكثر الصدمات العالقة في أذهان العراقيين.

كانت هذه المرحلة التي تركت أثرا كبيرا على كل شريحة في العراق بشكل أو بآخر بين عامي 2006 و2010، فترة "انتقام" الشيعة من السنة، بعد استيلاء الشيعة الذين يشكلون الأغلبية وفق التركيبة السكانية للبلاد، على السلطة في فترة ما بعد الاحتلال. كما دفع شعور السنة بفقدانهم السلطة من بين أيديهم إلى السعي من أجل تحويل البلد التي أصبحت في يد الشيعة إلى ركام. وخلق هذا الوضع فراغا كبيرا في البلاد وأدى إلى فتح مساحة للمنظمات الإرهابية لاسيما تنظيم القاعدة الإرهابي. وإضافة إلى ذلك، أصبح العراق ساحة لقوى إقليمية مثل العراق وإيران والسعودية.

لمن انتقلت السيادة؟
في الوقت الذي كانت فيه الحروب الطائفية منتشرة في العراق، تم توقيع اتفاقية نقل السيادة بين الولايات المتحدة والنظام العراقي في عام 2008، حيث اكتملت مهمة الجنود الأمريكيين المقاتلين في العراق اعتبارا من نهاية عام 2011. وبذلك اعتقد العراقيون أن لديهم السلطة على الحكم.

تولّى نوري المالكي رئاسة الوزراء في العراق في العام 2006، ثم أصبح رئيسا للوزراء للمرة الثانية بعد انتخابات عام 2010. وعمل المالكي على تعزيز العلاقات مع إيران، مستفيدا من الفراغ الذي نشأ مع انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة. حتى انتشرت أقاويل في هذه الفترة حول إيران باعتبارها "المالك الحقيقي للعراق".

كما هو معروف أن موجة احتجاجات انتشرت في جميع الدول العربية في العام 2011. ويشار إلى أن هذه الاحتجاجات أثّرت على العراق أيضا. كما أدى الضغط الذي مارسه نوري المالكي لاسيما على العرب السنة، إلى بدء احتجاجات في المحافظات التي يعيش فيها السنة بشكل مكثف، وبذلك عادت التوترات الطائفية إلى الظهور على الساحة من جديد. وفي الوقت الذي ما زالت فيه آثار الحرب الطائفية العنيفة حديثة وعالقة في الأذهان، فإن محاولة نوري المالكي قمع الاحتجاجات من خلال إجراءات صارمة، وحتى دخوله إلى الجامعات بالدبابات، جلبت معها قلقا ومخاوف بين السنة مفاده "هل نشهد ظهور ديكتاتور جديد".

حيث لم ينس أحد ما قام به نوري المالكي خلال فترة رئاسة الوزراء الأولى له في الفترة 2006–2010 حيث ذهب إلى ما هو أبعد من الحرب الطائفية، فيما يتعلق بالصراعات التي وقعت بين القوات الحكومية وجيش المهدي قوى الميليشيات التابعة لمقتدى الصدر الذي يعتبر أحد قادة الشيعة في العراق وأحد الذين برزوا على الواجهة بمقاومته ضد الولايات المتحدة.

وإلى جانب آلام مخاض المرحلة الانتقالية التي مرت بها البلاد، فإن المظاهرات العامة التي امتدت إلى الشرق الأوسط ومحاولات نوري المالكي لقمع هذه التظاهرات بإجراءات مشددة تسببت في ظهور تنظيم داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) الذي تحوّل إلى "ظاهرة" في مختلف أنحاء العالم وتنظيم إرهابي على المستوى العالمي.

ما قامت به داعش في العراق
على الرغم من أن تنظيم داعش ولد من رماد القاعدة، لكنه كان الأكثر تأثيرا في التاريخ السياسي العالمي بسبب ما فعله في البداية في سوريا ثم في العراق على وجه الخصوص، رغم الفترة القصيرة التي قضاها.

تسبب تنظيم داعش الذي أعلن "دولة الخلافة" على أجزاء من العراق وسوريا بين عامي 2014 و2017، في إحداث جروح لا يمكن محوها في تاريخ الإنسانية من خلال الأعمال التي قام بها. ولم يفعل ذلك فحسب، بل كان سببا في القضاء على المكتسبات التي حققها العراق مع قلة عددها، كما ساهم في تدهور البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية ​​في البلاد رأسا على عقب، ولا تزال البلاد تكافح من أجل التعافي حتى اليوم. ومن الصعب أن نقول إن الاستقرار السياسي قد تحقق بعد داعش.

مشكلة الحكومة
تشكّلت حكومة عادل عبد المهدي بعد انتخابات 2018، لكنها لم تتمكن من البقاء في السلطة إلا لمدة عام واحد جراء احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 التي بدأت لأسباب مثل الفساد والبطالة وتعطيل الخدمات العامة في البلاد، حيث أدّت هذه الاحتجاجات إلى استقالة رئيس الوزراء لأول مرة في البلاد.

تم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة مصطفى الكاظمي بعد جدل طويل. حيث قادت هذه الحكومة البلاد إلى انتخابات مبكرة، وهي أول انتخابات مبكرة بعد الاحتلال. جدير بالذكر أن العراق بقي لمدة أكثر من عام بدون حكومة بعد الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في البلاد في أكتوبر/ تشرين أول 2021، حيث تم تشكيل حكومة جديدة قبل عدة أشهر برئاسة محمد شياع السوداني. وفي هذا الإطار لن يكون من الخطأ القول بأن التوازن السياسي في العراق قد اختفى بالكامل تقريبا. فقد مرّت مرحلة تشكيل الحكومة الأخيرة بأحداث كبيرة من بينها مظاهرات تحولت إلى صراع مسلح بين الجماعات الشيعية، وخلال هذه المظاهرات الاحتجاجية داهم المتظاهرون البرلمان والقصر الرئاسي والمحكمة الاتحادية العليا العراقية وكأنهم يسعون للقيام "بانقلاب" يستهدف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

أين العراق اليوم؟
تعتمد طبيعة السياسة والنظام الذي أسسته الولايات المتحدة في العراق على أسس عرقية وطائفية. بالإضافة إلى ذلك، فإن توجّه الشعب العراقي الذي حكمته سلطات مركزية قوية لعقود من الزمن، إلى ممارسات غير معتاد عليها مثل الفيدرالية، تسبب أيضا في استخدام الشعب عبارات على المستوى الضيق للتعبير عن هوياتهم الاجتماعية. حيث بدأ الناس في التعريف عن أنفسهم وفق روابطهم القبلية وانتماءاتهم الجغرافية وهوياتهم الاجتماعية المحافظة بدلا من كونهم مواطنين عراقيين. وهذا الوضع كان أحد أكبر العقبات التي واجهت العراق الذي حكمته هياكل مركزية استبدادية وقوية لعقود حتى الغزو الأمريكي، وجعلته غير قادر على إرساء النظام في البلاد.

وفي هذا الصدد، يمكن القول إن المجتمع العراقي قد استوعب نظاما استبداديا قويا. وعند النظر إلى الهيكل الفيدرالي بعد الاحتلال الأمريكي، فإن هذا الوضع الداخلي قد خلق "دولة الممالك المحلية". وبالإضافة إلى الهويات الفرعية العرقية أو الدينية أو الطائفية التي أصبحت أقوى بعد الاحتلال الأمريكي، فقد بدأت عوامل جانبية مثل القبلية والجهوية (بحسب المنطقة) في الظهور مع مرحلة الهيكل الفيدرالي. بعبارة أخرى، أصبحت كل مجموعة هي السلطة المهيمنة في المنطقة التي تكون قوية فيها.

وفي هذا الصدد، يمكن القول إن الاحتلال الأميركي ساهم في تحويل العراق إلى حالة من الفوضى. حيث أن الانقسام في البلاد ليس مقتصرا بين الجماعات العرقية والطائفية، ولكن يوجد أيضا داخل هذه الجماعات. ومن هذا المنطلق، لن يكون من الخطأ القول إن ثقافة الإدارة المشتركة في العراق قد انتهت تقريبا. وعلى الرغم من تشكيل "حكومات الوحدة الوطنية" التي يعتقد أنها تضمن تمثيل جميع شرائح العراق خلال الحكومات السابقة التي تشكلت منذ انتهاء الاحتلال الأمريكي، وأعطت الحق لجميع الشرائح والجماعات في دخول البرلمان، إلا أنه لم يتم التوصل إلى توافق وثقافة الإدارة المشتركة. حيث تستخدم جميع الشرائح المراكز التي تحصل عليها لمصالح الجماعات التي ينتمون لها. وفي هذا السياق من الصعب التحدث عن هوية مشتركة للدولة.

التأثير الأمريكي والإيراني
تعتبر الولايات المتحدة وإيران اللاعبين الرئيسيين في كل مرحلة في العراق. وتسعى السعودية ودول الخليج أيضا إلى اتخاذ موقف في العراق على أساس الطائفية. من ناحية أخرى، تتمركز الصين وروسيا في العراق في إطار الاقتصاد العالمي والطاقة. أما تركيا فتسعى إلى أن تكون عامل توازن واستقرار في العراق. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة وإيران هما من يوجهان السياسة في البلاد حتى الآن.

لكن هذا الوضع جرّ مؤسسات الدولة نحو الانهيار. ومن الصعب تقديم حتى أبسط الخدمات العامة. على سبيل المثال، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 7.3 ملايين شخص في العراق الذي يبلغ عدد سكانه نحو 42 مليون نسمة، يواجهون صعوبة في الوصول إلى الخدمات الصحية. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن العراق مقارنة مع دول منطقته، يخصص أقل قدر من الموارد من أجل النفقات الصحية للفرد، حيث يخصص 154 دولارا فقط. ولا يوجد نظام تأمين صحي في العراق. وهناك صعوبات كبيرة فيما يتعلق بالمستشفيات وإمكانيات المستشفيات والحصول على الأدوية. لذلك، يفضل معظم العراقيين دولا مثل تركيا وإيران وأذربيجان والهند للعلاج من الأمراض المستعصية.

مشاكل المياه والكهرباء في العراق
من جانب آخر، تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن ما يقرب من 7 ملايين شخص في العراق أي سُدس سكان البلاد، يعانون من مشاكل في الوصول إلى المياه النظيفة. وهناك مخاوف من وصول هذا العدد إلى 13 مليونا بحلول عام 2030. وبالإضافة إلى ندرة المياه، وصلت مشاكل مثل تلوث المياه والتصحّر إلى مستويات كبيرة للغاية.

وعلاوة على ذلك، لا تتمكن الدولة من إيصال الكهرباء إلى المحافظات لأكثر من 20 ساعة في اليوم مع اختلاف عدد الساعات بين المحافظات. ولا توجد منطقة تقريبا يمكن أن توفر الدولة فيها الكهرباء طوال اليوم. وتقل هذه الفترة عن 10 ساعات في بعض المحافظات. ويتم توفير الكهرباء في الساعات المتبقية عن طريق مولدات الأحياء أو المولدات الشخصية.

من ناحية أخرى، يعد التعليم من أكثر المجالات تضررا من الاحتلال والحرب والعنف. حيث تشير بيانات الأمم المتحدة، إلى أن حوالي خُمس العراقيين أمّيون لا يعرفون الكتابة والقراءة. وبينما يرتفع هذا المعدل إلى 24 بالمئة عند النساء، فهو يبلغ حوالي 11 بالمئة عند الرجال. ومن هذا المنطلق، فإن تأثير الاحتلال والحرب على النساء يعتبر أكبر.

النساء في العراق
على الرغم من بقاء المرأة في الخلف في المجتمع، إلا أن هناك تمييزا إيجابيا بالنسبة لها بعد الاحتلال من أجل المشاركة في الحياة السياسية. حيث ينص الدستور العراقي على ضرورة أن تكون امرأة واحدة من بين كل أربعة نواب في البرلمان. بمعنى آخر، تم تخصيص حصة قدرها 25 بالمئة للنساء في البرلمان. أما في إقليم كردستان العراق فهذه الحصة هي 30 بالمئة. مع العلم بأن عدد الرجال والنساء في العراق متساوٍ تقريبا.

ولكن رغم ذلك، لا يمكن القول إن هناك نفس المساواة في المجتمع. حيث تسمح القوانين العراقية بالزواج المتعدد، بشرط موافقة الزوجة الأخرى أو الزوجات الأخريات. ولو أخذنا بعين الاعتبار أن واحدة من بين كل 5 سيدات في المجتمع العراقي تتعرض للعنف، فمن الصعب القول إن الزوجة يمكنها مواجهة ضغوطات الرجل الذي يرغب في الارتباط بزوجة ثانية.

وبحسب بيانات عام 2022، لا يزال مليون و200 ألف شخص في العراق مهاجرين داخليين بسبب الحروب والصراعات في البلاد، إضافة إلى أن نحو 200 ألف شخص يعيشون في المخيمات.

ويحتاج حوالي 2.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية. حيث تشير بيانات البنك الدولي، إلى أن معدل الفقر في العراق يبلغ نحو 25 بالمئة، وأن حوالي 19 بالمئة من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر.

البطالة في العراق
كما وصلت البطالة في العراق إلى مستويات كبيرة. ويعتبر القطاع الخاص محدودا في البلد الذي يعمل فيه ما يقرب من 60 بالمئة من القوى العاملة في القطاع العام. ولهذا السبب ينظر إلى الدولة على أنها بوابة كبيرة للعمل. في الحقيقة، هذا هو أحد أسس الصراع بين المجموعات. حيث يعتبر المنصب المأمول الحصول عليه في الدولة فرصة عمل وضمان لاستمرار المميزات لأنصار الجماعة أو أفراد العشيرة. لأن النظام الفاسد والحزبية والمحسوبية في هيكل الدولة في العراق يجر البلاد إلى طريق مسدود.

يعتبر العراق البلد الأقل مشاركة للنساء والشباب في القوى العاملة. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف سكان العراق تقل أعمارهم عن 25 عاما. وبعد عام 2003، أصبح نحو 2.5 مليون امرأة أرملة بسبب الحرب والإرهاب والعنف. كما يعتبر 55 بالمئة من السيدات التي يمكنهن المشاركة في القوى العاملة، عاطلات عن العمل. وإضافة إلى ذلك، تشير بيانات الأمم المتحدة، إلى أن 14 بالمئة فقط من النساء يشاركن في القوى العاملة، في حين أن نحو 70 بالمئة من النساء اللواتي يمكنهن المشاركة في القوى العاملة يعملن في المجال الزراعي.

يوجد في العراق جيش من الشباب العاطل عن العمل. حيث يعتبر 40 بالمئة من السكان الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما ويشكلون أكثر من 70 بالمئة من سكان البلاد، عاطلين عن العمل.

الاقتصاد العراقي في وضع صعب
تسبب الاحتلال الأمريكي والحرب المستمرة منذ سنوات في تدمير الاقتصاد العراقي بشكل كبير. انخفضت قيمة الدينار العراقي بنسبة 1500 بالمئة مقابل العملات الأجنبية بدءا من عام 2009. وعلى الرغم من تطبيق نظام سعر الصرف الثابت في العراق اعتبارا من الأشهر الأولى لعام 2023، إلّا أن قيمة الدينار العراقي انخفضت بنحو 30 بالمئة مقابل الدولار بسبب القيود والضوابط الجديدة التي فرضها البنك المركزي الأمريكي على بعض البنوك العراقية.

وتشير التقديرات إلى أن 450 مليار دولار من الأموال العامة تعتبر مفقودة منذ عام 2003. لهذا السبب لا يوجد تقريبا أي استثمار وهيكلة وطنية في العراق.

تشير بعض الإحصاءات إلى أن نحو 70 بالمئة من المباني في العراق قد تم بناؤها قبل 40 عاما. كما أن المساحات المتوفرة للحياة الاجتماعية تكاد تكون معدومة. لذلك، يعطي الناس الأولوية للأنشطة الاجتماعية مثل تناول الطعام في الخارج وتدخين الشيشة والسمر مع شرب الشاي في المقاهي ولعب الدومينو. حتى أن هذه الأنشطة توقفت أيضا خلال فترات العنف المتزايد وأصبح الناس محصورين تقريبا في منازلهم. وبذلك، فلن يكون من الخطأ القول إن الدمار الذي سببته الحرب في العراق يتجلى في كل مجال تقريبا بدءا من السياسة إلى الاقتصاد ومن الصحة إلى الفعاليات الثقافية.

وانطلاقا من ذلك، فإن جزءا كبيرا من السكان من مجموعات مختلفة محرومة من عدد من الامتيازات مثل الأقليات المختلفة والمعاقين والتركمان الذين لا يملكون قوة سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، يتأثرون بشكل سلبي بالتطورات الجارية في البلاد، ويتعرضون لسياسات التغيير الإجباري للهوية والمكان، ويضطرون إلى النزوح داخل البلاد أو الهجرة إلى خارجها.

وفي الوقت الذي يمر علينا فيه العام العشرين للاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2023، فمن الصعب القول إن البلاد قد وصلت إلى نظام. ووصلت أضرار وتأثيرات الاحتلال الأمريكي على البنية الاجتماعية للبلاد وإدارة الدولة والثقافة والاقتصاد إلى مستويات لا يمكن إصلاحها في سنوات عديدة. لأن الاحتلال الأمريكي أدى إلى تدمير المجتمع بشكل كبير.

لعل أكثر ما يميز المجتمع العراقي اليوم هو انعدام الأمن. حيث تنتشر حالة انعدام الأمن في الشعب العراقي بشكل استقرائي من الفرد إلى أعلى مستويات المجتمع والدولة. وفي هذا الصدد، لن يكون من الخطأ القول إن الشعب العراقي يعاني من "متلازمة الإرهاق الاجتماعي". ويبدو أنه لن يكون من السهل على العراق التخلص من هذه المتلازمة على المدى القصير.

نُشرت مقالة الرأي هذه على موقع " Fikir Turu" في  20 آذار3202 بعنوان " العراق في الذكرى العشرين للإحتلال: ما الذي تغير؟".