دلالات زيارة السيد عمار الحكيم الى كركوك وأهميتها لتركمان العراق

قام زعيم تيار الحكمة وتحالف قوى الدولة الوطنية السيد عمار الحكيم في 4 حزيران 2021 بزيارة الى محافظة كركوك، والتقى بالحكومة المحلية ووجهاء المحافظة ونخبها الشبابية ومسؤولي التركمان. على الرغم من بيان عائلة الحكيم الدينية الشهيرة في النجف في أكثر من مناسبة بعدم وجود من يمثلهم في العملية السياسية، ألا أنه يمكن القول إن إنتساب عمار الحكيم الى العائلة أعطت لزيارته دلالات دينية، اجتماعية، وتاريخية كبيرة، وذلك للتأريخ السياسي والديني لعائلة الحكيم في مناهضة نظام البعث السابق، والموقع الديني الذي تحظى به عائلة الحكيم في الاوساط الشعبية العراقية. من جانب أخر عمار الحكيم من السياسيين العراقيين الذين استطاعوا ان ينجحوا في العملية السياسية وذلك من خلال تبني نهج جديد، مغاير للنهج القديم للـ"المجلس الإسلامي الأعلى" الذي كان يترأسه سابقاً، وذلك من خلال التركيز على الفئة الشبابية والعمل على تمكين المرأة في العمل السياسي والاجتماعي.

 أهمية زيارة الحكيم لكركوك تتضح أكثر إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تيار الحكمة على انه من أكثر التيارات السياسية الذي يتمتع بتنظيم عالي المستوى، وتشكيلاته السياسية قوية قياساً الى الأحزاب والتيارات السياسية العراقية الأخرى.

من جانب اخر زيارة الحكيم الى محافظة كركوك المتنازع عليها هي زيارة لافتة من حيث الزمان والمكان. جاءت هذه الزيارة في وقت تستعد فيه القوى والشخصيات السياسية لإطلاق الحملات الانتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات المحدد في 10 تشرين الاول 2021، ففي الوقت الذي لا تمثل كركوك حاضنة طبيعية للحكيم وتياره لكنها وبما تحمله من تنوع تركماني - عربي - كردي فضلاً عن أقلية مسيحية، يمكن الرهان عليها على صعيد الاستقطاب، خصوصاً أن قانون الانتخابات الذي يقوم على أساس النظام الدوائر المتعددة يساعد الاحزاب والتيارات السياسية المختلفة في دخول الى منافسة في المناطق التي كانت سابقاً محسومة مسبقاً لأحزاب وجهات سياسية محددة.

عند تحليل زيارة الحكيم في السياق التنافس الانتخابي، يجب عدم إغفال الزيارات التي يقوم بها ممثلي وقيادات الأحزاب السياسية الشيعية والسنية في المحافظات المحاذية الى كركوك، خاصة المسعى الصدري في العمل على تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وذلك لأجل تأمين الأغلبية البرلمانية في الانتخابات القادمة من أجل الحصول على منصب رئيس الوزراء، الذي أعلنه مقتدى الصدر كهدف سياسي في الانتخابات القادمة. 

من جانب آخر قيام رئيس السلطة التشريعية محمد الحلبوسي بزيارة الى محافظة صلاح الدين التي تعتبر مركز نفوذ لأحمد الجبوري (أبو مازن) الذي يعتبر أهم شخصية سياسية سنية في صلاح الدين والذي تم استبعاده من الانتخابات (هنالك حديث عن انه كسب الطعن الذي قدمه للقضاء ضد قرار استبعاده من المشاركة في الانتخابات). مع "فرضية" استبعاد الجبوري من الانتخابات في محافظة صلاح الدين اصبحت هذه المحافظة ميدان للتنافس بين حزب التقدم الذي يتزعمه الحلبوسي وتحالف العزم الذي يتزعمه خميس الخنجر. القواعد الشعبية الرئيسة لهذين الحزبين في محافظة الأنبار، لكن قانون الانتخابات الجديد وإحتمالية إستبعاد أبو مازن ربما سيسمح بالأحزاب القادمة من خارج أي محافظة، بالعمل على كسب دعم اجتماعي وسياسي من محافظة أخرى. يمكن وصف زيارة الحكيم الى محافظة كركوك وقضائي طوزخورماتو وأمرلي التابعتين الى محافظة صلاح الدين، بأنها تأتي أيضاً في إطار التنافس الانتخابي في محافظة صلاح الدين.

زيارة الحكيم الى كركوك جاءت بالتوقيت الذي تعمل فيه جهات سياسية كردية دعاية كبيرة، حول إمكانية عودة قوات البيشمركة الى كركوك، وصدور تصريحات من بعض السياسيين العراقيين المؤيدة لإمكانية العودة البيشمركة الى كركوك. ان تركيز الحكيم على مبدأ العيش المشترك والتآخي في محافظة كركوك وحرصه على إبراز التنوع الاجتماعي والعمق الثقافي للمحافظة، وذلك خلال حديثه امام أعيان التركمان، يمكن القول انه أعطى رسالة رافضة لمحاولات إعادة البيشمركة لهذه المدينة. من المعروف ان الموقف التركماني في مسألة أمن إدارة كركوك مبني على الدستور وقرارات السلطة التشريعية التي تقضي على اختصاص الحكومة المركزية في مسألة الأمن في كركوك، وعلى مشاركة كافة مكونات كركوك في إدارة محافظتهم دون تمييز وتهميش أي طرف.

أكد الحكيم خلال زيارته على الأوضاع في كركوك بقوله "إذا انتظمت اوضاع كركوك انتظمت أوضاع العراق. إذا استطعنا أن نجد المعادلة المطمئنة للتعايش في كركوك يتوحد العراق". الى جانب تأكيده على دعمه حصول التركمان على منصب نائب رئيس الجمهورية.  حيث أن طبقاً لقاعدة التوافق السياسي المعمول به منذ عام 2003 وإلى اليوم فإن المنصب التنفيذي الأول في الدولة وهو رئاسة الوزراء من حصة الشيعة كونهم الغالبية السكانية والبرلمانية، فيما درج العرف السياسي أن يكون منصب رئاسة الجمهورية من حصة الكرد، ورئاسة البرلمان من حصة العرب السنة. لكن التركمان تم استبعادهم من المعادلة السياسية ولم تمنح لهم أي من المناصب السيادية في الرئاسات الثلاث، على الرغم من حرص القوى السياسية والمجتمعية التركمانية في الدفاع عن وحدة البلاد ضد محاولات التقسيم والمشاركة في محاربة الإرهاب. لذلك دعوة الحكيم لمنح التركمان منصب نائب رئيس الجمهورية، ممكن أن تعزز موقف التركمان في المعادلات السياسية القادمة.

لم تقتصر زيارة الحكيم الى محافظة كركوك بل شملت قضائي طوزخورماتو وأمرلي التابعتين الى محافظة صلاح الدين. زيارة الحكيم الى قضاء طوزخورماتو وأمرلي بعد محافظة كركوك أعطت صورة أكثر وضوحاً على إنفتاح الحكيم على التركمان في المرحلة السياسية القادمة. من المعروف ان تياري مقتدى الصدر وعمار الحكيم لم يتبنيا سابقاً نهجاً واضحاً اتجاه التركمان، على خلاف حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى. يمكن اعتبار زيارة الحكيم الى كركوك ومن ثم الى طوزخورماتو وامرلي تغيير مهم في توجهاته أتجاه التركمان. زيارة عمار الحكيم تميزت ايضاً على انها زيارة عابرة للطائفية وركزت على الوحدة التركمانية، كما يتضح من خلال الشخصيات التركمانية التي التقاها والمدن والمناطق التي قام بزيارتها.

من جهة أخرى، يمكن اعتبار زيارة الحكيم الى طوزخورماتو وأمرلي، محاولة لكسب ود التركمان في هذه المناطق، وذلك لعدم قيام الحكيم بزيارة هذه المدن على الرغم من تعرض طوزخورماتو الى هجمات إرهابية متكررة خلال فترة 2011 – 2014، وكذلك عدم قيامه بزيارة أمرلي بعد حصارها من تنظيم داعش الإرهابي. ان زيارة الحكيم الى المدن التركمانية، يمكن أن تكون فرصة للعمل على وضع خطة وإهتمام حكومي حقيقي بالمناطق التركمانية التي تتعرض الى هجمات من قبل عناصر داعش بشكل متكرر. الى جانب العمل على إعادة بناء المدن والقرى التركمانية التي تعرضت الى التخريب نتيجة العمليات العسكرية ضد داعش.

لا يمكن اختصار أبعاد زيارة الحكيم بكركوك والعراق فقط، وانما يمكن لهذه الزيارة أ، تكون لها دلالات في السياسة الإقليمية والدولية بشأن الانفتاح العراقي على دول الجوار والعالم. حيث أكد عمار الحكيم خلال زيارته على ان التركمان هم جسراً مهماً لبناء علاقات قوية مع الدول التركية في العالم. أنطلاقا من هذه الفكرة يظهر مدى أهمية حصول التركمان على استحقاقاتهم الدستورية والسياسية في الحكومتين المركزية والمحلية في العراق.

في المجمل يمكن القول ان زيارة الحكيم الى كركوك تعكس تحولات سياسية كبيرة في بغداد، تتجاوز العقبات الطائفية والمناطقية التي تجذرت بعد 2003، ومن جانب آخر تعكس هذه الزيارة إدراك القوى السياسية أهمية كركوك والقوى التركمانية كفاعل مهم في المرحلة القادمة. القوى السياسية التركمانية اليوم مطالبة بالانفتاح على القوى السياسية التي تملك القرار السياسي في بغداد مثل التيار الصدري والحكمة والنصر والفتح، وذلك من أجل ضمان استحقاقهم القومي في المرحلة القادمة، من خلال بناء توافقات سياسية بما يتلاءم مع تطلعات التركمان ومصالحهم. زيارة الحكيم الى كركوك وطوزخورماتو وامرلي تعكس أهمية المدن التركمانية للقوى السياسية في بغداد، بالإضافة الى أهمية التركمان كقومية ثالثة ممكن أن تساهم في عملية التوازن السياسي في العراق. من الطبيعي جداً ان تعمل القوى والأحزاب الكبيرة خاصة الشيعية في بغداد على كسب التركمان الى جانبها، وذلك من أجل الحصول على دعمهم في الانتخابات القادمة وفي البرلمان، في ظل احتدام التنافس السياسي والانتخابي في المرحلة القادمة يمكن ان تكون هنالك فرصة للتركمان للحصول استحقاقاتهم السياسية، اذا ما توحدوا في الرؤى والأهداف وكان هناك تنسيق بين الأحزاب التركمانية، وإلا فأن المرحلة المفصلية التي يمكن تخلقها الانتخابات القادمة يمكن ان تبعد التركمان عن مركز القرار ويضعهم في خانة الأقليات، على الرغم من الثقل السكاني الذين يتمتعون به.