تقدير موقف

قراءة سوسيولوجية للممارسات الدينية في العالم العربي

ترتبط مسألة الممارسة الدينية في العالم العربي بمتغيرات عديدة، أهمها عامل الزمن، فمن المعروف أن الممارسات الدينية تشهد تغييراً مستمراً بتعاقب المراحل التاريخية، فهي ليست ستاتيكية (ثابتة) بل ديناميكية (متحركة). وعامل الزمن مهم في تفسير تغير الاشكال الطقوسية في الممارسة الدينية في العالم العربي، حيث تختلف تلك الممارسات في القرون الماضية عما تشهده تلك الممارسات في الوقت الحالي، ونتوقع تغيرها مستقبلا. كذلك فأن السياقات الثقافية والحضارية (تقدم/ تخلف)، تؤثر في بنية الممارسة الدينية في العالم العربي، حيث ان الصعود الحضاري ينتج ممارسات دينية أكثر رصانة عن تلك التي نشهدها في حقب الانحدار الحضاري. وهنا تؤثر العوامل الخارجية المستجدة مثل (الاستعمار، التكنولوجيا الحديثة) على بنية الممارسات الدينية وشكلها، فيعمل الاستعمار –مثلاً- على التأسيس لممارسات دينية دجلية (من الدجل) تخدم أهدافه وغاياته. كما ان تطور التكنولوجيا الحديثة أثر-ولايزال يؤثر-في طبيعة الخطاب الديني وأشكال ممارسته (تنوع المرجعيات).

من جانب آخر، هنالك ارتباط وثيق بين الخطاب الديني وبنيته الداخلية وسياقات الاجتهاد وطرائق التوصيل في العالم العربي، ذلك ان سياقات الاجتهاد وطرائق التواصل لنشر الخطاب الديني تؤثر في فعاليته ومدى تأثيره على المتلقي. فضلاً عن أن المستويات المعرفية للأفراد المتلقين (متعلمين، أميين) والقدرة على الفهم والتفاعل مع هذا الخطاب الديني له أهميته أيضاً، فحتى ان كان الخطاب الديني متطوراً فان أشكال التلقي تختلف تبعاً للمستويات التعليمية للمتلقي. كما أن مكانة الدين في المجتمع عاملاً مهماً مؤثراً في طبيعة الممارسات الدينية، ففي المجتمعات التي تضع الدين في مستويات مرتفعة فان الممارسة الدينية تسود على الفضاءات الاجتماعية والثقافية، على عكس المجتمعات التي تضع الدين كنسق فرعي له مجالات محددة لممارسته (المجتمعات العلمانية أنموذجا).