تحليل

سياسة بايدن تجاه العراق: تأهيل العلاقات الأمريكية-العراقية لعالم ما بعد حرب أوكرانيا

يلاحظ المراقبين للسياسة الأمريكية تجاه العراق في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، بأن هنالك ديناميات جديدة في طبيعة العلاقة بين البلدين، بخاصة بعد استلام السفيرة الأمريكية الجديدة في بغداد ألينا رومانوسكي منصبها في حزيران/ يونيو 2022. تلك السفيرة التي قدمت للعراق بعد عقود من إنخراطها في شؤون الشرق الأوسط، من خلال عملها في دوائر المخابرات ومكافحة الإرهاب والدفاع والخارجية الأمريكية. السفيرة رومانوسكي تقود حالياً نشاط دبلوماسي أمريكي في بغداد ملفت للنظر. فمنذ تشكيل الحكومة العراقية الحالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 ولغاية الان، التقت رومانوسكي مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني 10 مرات، فضلاً عن عشرات الاجتماعات مع معظم وزراء هذه الحكومة، بضمنهم الوزراء الأمنيين، والتصريحات التي تصدر من الطرفين بعد كل اجتماع تسوده الإيجابية والتفاؤل حول مستقبل العلاقات الأمريكية-العراقية، بالرغم من أن الحكومة العراقية الحالية "عملياً" هي حكومة تحالف "الإطار التنسيقي الشيعي"، المكون من قوى سياسية توصف بانها قريبة من إيران. بالطبع هنالك وزراء في هذه الحكومة من القوى السياسية الكردية والسنية، التي توافقت مع قوى الإطار التنسيقي لتشكيل هذه الحكومة، ضمن إطار تحالف أوسع، أطلق عليه تسمية تحالف "إدارة الدولة"، لإضفاء طابع التنوع في التشكيلة الوزارية من جهة، ومن جهة أخرى لتطبيق مبدأ "المحاصصة"، الذي أعتمد لتشكيل جميع الحكومات السابقة في العراق منذ 2003، ولكن عملية صنع القرار بقت بيد تحالف الإطار التنسيقي.

 السفيرة رومانوسكي تنتمي لعائلة أمريكية مهاجرة، أب بولندي وأم كندية، حاصلة على شهادة الماجستير من جامعة شيكاغو، كذلك درست في جامعة تل أبيب في إسرائيل. التحقت رومانوسكي بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA منذ كانت طالبة في جامعة شيكاغو، خلال عملها في CIA قضت رومانوسكي سنوات كمديرة لفرع الوكالة في إسرائيل. كذلك عملت رومانوسكي كمديرة لمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية NESA في جامعة الدفاع الوطني NDU التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ثم عملت كنائب لمساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا. في عام 2017 أصبحت رومانوسكي نائبة المنسق الرئيس لمكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية. خلال كلمتها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، في الجلسة التي عقدت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 للمصادقة على تعيينها سفيرة للولايات المتحدة في الكويت، ذكرت رومانوسكي بأنها "أمضت 40 عامًا من الخدمة في الحكومة الأمريكية، نصفها تقريبًا كمسؤول تنفيذي كبير يركز على شؤون الشرق الأوسط، في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية". للمزيد ينظر النص الكامل لكلمة رومانوسكي أمام مجلس الشيوخ الأمريكي:

يحدث هذا التحول وهذا الاندفاع في زخم الدبلوماسية الأمريكية في بغداد، وهذه "المظاهر" الإيجابية في مسار العلاقات الأمريكية-العراقية، بعدما كان من الصعب على البعثات الدبلوماسية الأمريكية التواجد والعمل في بغداد، خلال عهد السفير الأمريكي السابق ماثيو تولر، مما اضطرهم في أواخر العام 2020 إلى نقل الجزء الأكبر والأهم من كادر السفارة الأمريكية إلى العمل من القنصلية الأمريكية في أربيل شمال العراق، بسبب تزايد التهديدات الأمنية على حياة العاملين في السفارة الأمريكية، نتيجة الهجمات الصاروخية المستمرة على محيط مبنى السفارة، التي شنتها فصائل مسلحة مدعومة من إيران، ضمن إطار حملة مسلحة-سياسية مناهضة للوجود والمصالح الأمريكية في العراق، أطلقتها الأطراف السياسية-المسلحة العراقية المدعومة من إيران، بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد في 3 كانون الثاني/ يناير 2020.

بل أن الملفت للنظر أن هذا الانفتاح الإيجابي في العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والعراق، يحدث في عهد السفيرة رومانوسكي، التي يعرف عنها تبنيها لمواقف متشدد تجاه إيران وسياساتها في المنطقة. حيث سبق وأن ألقت رومانوسكي خطاباً 

"حازماً" أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، في الجلسة التي عقدت في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، للمصادقة على تعيينها سفيرة للولايات المتحدة في الكويت (آخر منصب لها قبل أن تصبح سفيرة الولايات المتحدة في العراق)، وقد تضمن خطاب رومانوسكي آنذاك المقطع الآتي:" زرعت إيران من خلال وكلائها العنف ضد حلفاء الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه...تعمل إيران على زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، من خلال دعمها للحوثيين في اليمن ونظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان".

كيف نفهم هذا التحول في طبيعة العلاقات الأمريكية-العراقية؟ وما هي الفرضيات والأطر النظرية التي تساعدنا على تفسير هذا التحول؟ وماهي المعالم الرئيسة لسياسة بايدن تجاه الشأن العراقي؟