تقدير موقف

انتخابات مايو 2023 النيابية والبلدية في موريتانيا: قراءة للنتائج وانعكاساتها على الانتخابات الرئاسية المقبلة

تحولت موريتانيا بُعيد استقلالها - شـأنها شأن جل الدول الأفريقية - من التعددية إلى الأحادية الحزبية، واستمرت على ذلك حتى سمح دستور عام 1991 بالتعددية الحزبية مرة أخرى، وعلى الرغم من عودة موريتانيا إلى المسار الديمقراطي، إلا أن تجربتها لم يكتب لها المضي قدما بسبب الانقلابات العسكرية، والتي كان آخرها انقلاب عام 2008، حين انقلب رئيس أركان الحرس الرئاسي الجنرال محمد ولد عبد العزيز، على الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، فور إصدار الرئيس ولد الشيخ قرارا بإقالة ولد عبد العزيز وثلاثة من العسكريين البارزين من مناصبهم، وقاد ولد عبد العزيز فترة انتقالية لمدة سنة أعقبها إجراء انتخابات رئاسية عام 2009 ترشح فيها ولد عبد العزيز بعد أن استقال من منصبه العسكري وفاز بها.

وعلى الرغم من الجدل الذي أثير حول وصول ولد عبد العزيز إلى السلطة، إلا أن رئاسته آذنت ببدء تجربة ديمقراطية موريتانية واعدة، حيت أمضى ولد عبد العزيز ولايتين رئاستين لم يترشح بعدهما للرئاسة، وغادر السلطة بعد انتخابات عام 2019، التي فاز فيها محمد ولد الغزواني، في أول انتقال سلمي (ديمقراطي) للسلطة تشهده البلاد.

وعلى الصعيد الحزبي، أسس ولد عبد العزيز بعد انقلابه حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية"، وبمجرد فوزه بالرئاسة في انتخابات 2009 استقال من الحزب، حيث يَحظُرَ الدستور الموريتاني على رئيس الدولة الانتماء لأي حزب سياسي، ومع أول انتخابات برلمانية في عهد الرئيس ولد عبد العزيز، حقق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الأغلبية في البرلمان، وأصبح الحزب الحاكم والظهير السياسي للرئيس عبد العزيز، ومن حينها وحتى الآن يحظى الحزب بأغلبية مريحة في البرلمان، فضلاً عن دعم عدد كبير من الأحزاب الموالية له،  وبعد رحيل ولد عبد العزيز عن السلطة، اتجه الحزب وأنصاره إلى دعم الرئيس الجديد ولد الغزواني، وفي عام 2022 واستعدادا لانتخابات 2023 البرلمانية والجهوية والبلدية، غَيًّرَ الحزب اسمه من "الاتحاد من أجل الجمهورية" إلى حزب "الإنصاف"، ودخلت الحكومة والأحزاب السياسية في حوار شامل، وزادت كثافة وحدة التفاعلات الحزبية، ولا شك في أن نتيجة هذه الانتخابات ستلقي بظلالها على النظام الحزبي الموريتاني.

وعلى الصعيد الرئاسي أوشكت عهدة الغزواني الأولى على الانقضاء، ولم يعد يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية المجدولة لشهر يونيو 2024 إلا عام واحد، ومن المؤكد أن ولد عبد العزيز سوف يخوضها طلبا لعهدته الثانية، التي يسمح بها الدستور الموريتاني، ولا شك في أن نتيجة انتخابات 2023، سيكون لها مردود مباشر وغير مباشر، على الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقد أُجريَت الانتخابات البرلمانية والجهوية والبلدية في موريتانيا على مرحلتين، في 13 و27 مايو 2023، وعلى الرغم من أن المرحلتين خلتا من العنف الانتخابي، إلا أن النتائج لم تسلم من الجدل، مع أنها لم تُحْدِث - بادي الرأي - تغييرا جوهريا في المشهد السياسي الموريتاني، حيث احتفظ الحزب الحاكم "الإنصاف" بأغلبيته المريحة في البرلمان، إلا أن القراءة المتأنية لهذه النتائج تنبئك عن دلالات معتبرة وتأثيرات مستقبلية محتملة على المشهد السياسي الموريتاني.

تتناول هذه الورقة نتائج الانتخابات البرلمانية والجهوية والبلدية في موريتانيا، التي عقدت في مايو المنصرم، استخلاصا لأهم دلالاتها، واستشرافا لتأثيراتها المحتملة مستقبلا على أهم عنصرين من عناصر هذا المشهد السياسي وهما: النظام الحزبي الموريتاني، والانتخابات الرئاسية القادمة.