تقدير موقف

المسارات التاريخية لتيارات الإسلام السياسي في موريتانيا

عرفت البلاد الإسلام ديناً رسمياً تمثل في المذهب المالكي، الذي طبعته بساطة حياة وبداوة سكان موريتانيا. رغم محاولات التمدن الخجولة وتحمس البعض لإخراج العامل الديني عن طبيعته الكهنوتية التي يفضلها آخرون كقوة تحفظه من متغيرات ما تحمله السياسة من أهواء، فقد عاشت البلاد فترات مختلفة طبعتها أحوال ومسميات لها وعليها عدة علات كبلاد السيبة أو البلاد السائبة نظرا للحروب الطاحنة التي عمتها بهدف إخضاع هذا المكون أو ذاك لهذه القوة أو تلك. خلال هذه الفترة ظل المستعمر الأوروبي يتربص بالبلد إلى أن سيطر عليه وامتد نفوذه إلى أقصى الشمال سنة 1909، رغم تعدد أشكال المقاومة التي استمرت فيما بعد إلى حدود أربعينيات القرن المنصرم، وظلت السمة البارزة لسكان المنطقة في تعاملهم مع هذه الظاهرة أو تلك، سمة دينية تميزت بأحادية مذهبها المالكي الذي طبع جوارها الإفريقي وحاضنة دول المغرب العربي السكانية، ولم يعرف المجتمع الموريتاني السياسة بمفهومها الحديث إلا في عقود قليلة قبل الاستقلال، رغم وجود مؤلفات محلية حاولت طرق موضوع السياسة لكنها لم تخرج للعلن مما أبقاها طي النسيان، أما مفهوم الإسلام السياسي فقد ظهر بعد بزوغ عدة حركات إيديولوجية كانت السبب في تبلور الفكرة وما علق بها من تقلبات مراحل الحياة السياسية العامة للبلد وما تميزت به من جزئيات، حملت الإسلام السياسي بدوره على ركوب موجة التلوينات الجديدة والتكيف مع معظم مستجداتها ليطفو على السطح ضمن فسيفساء التكوينات السياسية المحلية أو ينقسم لينشطر بعدها الى عدة جماعات أو تجمعات حكمتها ضوابط وانتماءات خاصة، إلى أن ظهرت مرحلة الخروج الى العلن السياسي الذي جاء خاتمة لعدة تجاذبات وفترات زمنية صعبة تناوشتها عدة أزمات وإكراهات.

تحصلت موريتانيا على استقلالها سنة 1960 وقد سبق هذا الحدث تواجد عدة تيارات يحمل بعضها نكهات إيديولوجية مثل "الحزب الاشتراكي الإسلامي" الذي تأسس في عام 1946 وعدة حركات يسارية كـ"الكادحين" وما ضمته الماركسية من تفرعات، وكذلك "القوميين العرب" وأنصار الحركة الفرانكفونية التي حملت عدة ألوان وصبغت نفسها بعدة ألوان بهدف التخفي والتستر داخل أنسجة المجتمع.