تقرير

فهم بيروقراطية الأمن في العراق: المؤسسات والمهام

تعد المؤسسات العسكرية والأمنية التي تعمل تحت سقف البيروقراطية الأمنية في العراق من بين أهم مؤسسات الدولة في معظم فترات التاريخ الحديث للبلاد. المؤسسات الأمنية المرتبطة بوزارة الداخلية ووزارة الدفاع ورئاسة الدولة (رئاسة الجمهورية قبل 2003، رئاسة الوزراء بعد 2003)، لاسيما القوات المسلحة، كان لها تأثيرًا كبيرًا في العملية العسكرية والسياسية للبلاد منذ تأسيس العراق كدولة حديثة عام 1921. النظام البعثي الذي سيطر على الحكم من خلال انقلاب ضد الرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف في عام 1968، حاول القيام بتغييرات مختلفة في أدوار المؤسسات الأمنية في البلاد. ورغم ذلك لم يحدث تغيير في أهمية هذه المؤسسات بل ربما ازدادت أهميتها عن السابق. بدأ تأثير ونفوذ المؤسسات العسكرية على المستوى الإداري في النظام بشكل واضح لاسيما بعد استلام صدام حسين مقاليد الحكم في العام 1979.

بعد انهيار نظام صدام حسين نتيجة الغزو والاحتلال الأمريكي سنة 2003 ألغى الحاكم الإداري الأمريكي للعراق بول بريمر المؤسسات الأمنية التي كانت في عهد صدام، وتم إعادة هيكلة هذه المؤسسات تدريجيًا طوال فترة الاحتلال. أن تنوع التهديدات الأمنية في البلاد والاختلافات في التوجهات السياسية للحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال الأمريكي أدى دورًا هامًا في طبيعة تشكيل المؤسسات الأمنية الجديدة وفي تشكيل الهيكلية الأمنية الجديدة في العراق. وإضافة إلى ذلك، فإن الاختلافات بين العقيدة الأمنية لمؤسسات الأمن الداخلي والعقيدة العسكرية للقوات المسلحة قد أثرت في منهجية العمل لمعظم قطاع الأمن. لقد تأثرت المؤسسات الأمنية في العراق بشكل كبير من نظام المحاصصة القومية والطائفية في النظام السياسي الذي أنشئ بعد الاحتلال. التساؤلات بدأت تزداد بشكل كبير حول أداء هذه المؤسسات بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في عام 2014، وبعد تعرض هذا التنظيم إلى الهزيمة. وارتفع سقف التوقعات لحدوث تحولات في طبيعة عمل هذه المؤسسات، لاسيما عقب التعيينات السريعة في قيادات المؤسسات الأمنية التي قام بها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعد توليه منصبه في مايو/ أيار 2020، والتي رافقها خطاب متكرر للكاظمي حول ضرورة الاهتمام بتجديد هيكلية هذه المؤسسات وتطويرها.

المؤسسات العسكرية ومؤسسات الأمن الداخلي المرتبطة بوزارة الدفاع ووزارة الداخلية ورئاسة الوزراء في عراق ما بعد 2003 تم تشكيلها وتعيين قياداتها تحت تأثير واضح لعامل مراعاة التوزيع القومي والمذهبي في الهيكل الإداري في العراق. وخلال مرحلة الحرب على داعش تم تأسيس هيئة الحشد الشعبي كإطار مؤسساتي للفصائل المسلحة التي اشتركت في تلك الحرب، والحشد الشعبي يعد تشكيل جديد مقارنة بالمؤسسات الأمنية الأخرى، يغلب على هذا التشكيل اللون الشيعي بشكل عام رغم أنه يضم عددًا صغيرًا من المجموعات العرقية والدينية الأخرى. الحشد الشعبي الذي تم ربطه برئيس الوزراء بموجب مرسوم ديوان رئاسة الوزراء العراقية رقم 91 في 24 فبراير/ شباط 2016، لم ينجح لحد الآن في أخذ مكانه بشكل منسجم مع المؤسسات الأمنية العراقية التقليدية. ورغم أنه لا يزال يحافظ على توجهه كميليشيات إلا أن كونه تشكيلًا رسميًا يجعل من الضروري تناول الحشد الشعبي ضمن هذه الدراسة.

تعمل المؤسسات الأمنية العراقية التابعة للحكومة المركزية في جميع مناطق البلاد باستثناء محافظات أربيل ودهوك والسليمانية التي تشكل إقليم كردستان في شمال العراق، وذلك وفق الاتفاقيات السياسية التي تحدد طبيعة العلاقة بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان شمال العراق بعد العام 2003. كما أن حكومة إقليم كردستان بشمال العراق لديها مؤسساتها الأمنية والعسكرية الخاصة بها. ورغم أن قوات "البيشمركة" القوة العسكرية لحكومة إقليم كردستان بشمال العراق لها أساس قانوني في البيروقراطية الأمنية العراقية، إلّا أن هذا التقرير لم يشملها. ورغم أن قوات البيشمركة مدرجة ضمن المؤسسات الأمنية للعراق الاتحادي، إلّا أنه سيتم تناولها في دراسة أخرى نظرًا لأن معظم أنشطتها داخل حدود إقليم كردستان بشمال العراق، مع بعض الاستثناءات الطفيفة مثل المشاركة في بعض مهام قيادة قوات العمليات المشتركة وقوات حماية رئاسة الجمهورية.

سيلاحظ قراء هذا التقرير أنه تمت الإشارة إلى الهويات العرقية والطائفية لقادة المؤسسات في الهيكلية الأمنية. وهنا نود أن نوضح بأن غايتنا من ذلك ليس الاستهداف أو الاستفزاز الطائفي، بل من أجل توضيح مدى انعكاس نظام المحاصصة الذي تم ترسيخه في البلاد بعد عام 2003 على المؤسسات الأمنية. هذا التقرير يهدف إلى توضيح هيكل ومهام المؤسسات الأمنية في العراق مع تجنب الأسلوب الجدلي وينقسم إلى ثلاثة مباحث. المبحث الأول يتناول إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والمؤسسات العسكرية في العراق بعد عام 2003. والمبحث الثاني يتطرق إلى الوضع الدستوري للمؤسسات الأمنية في العراق. أمّا المبحث الثالث والأخير فيتناول هيكل ومهام هذه المؤسسات الأمنية.